في تونس.. القطرة التي قد تفيض الكأس

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت تونس مرحلة «الحرج» السياسي، وبات من شبه المؤكّد أنّها قادمة على غد عصيب وصعب، إنْ كان ذلك على المستوى الاقتصادي، حيث انهارت كلّ المؤشّرات، أو على المستوى الاجتماعي نتيجة للتدهور المستمرّ للمقدرة الشرائية للمواطن وارتفاع وتيرة الأسعار، وبالخصوص كانت الأزمة لافتة على المستوى السياسي بعد أن أصبح الصّمم وانعدام التواصل بين الأطراف هو الأمر الطاغي على المشهد.

ورغم كل الدعوات الصادرة عن القوى الوطنية الحزبية والسياسية وعن منظمات المجتمع المدني، والمطالبة بضرورة اعتماد مبدأ التشاركية من خلال تنظيم حوار وطني جدّي تأسيساً للمرحلة المقبلة، إلّا أنّ الرئيس قيس سعيّد أصرّ على مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع وهو ما ترفضه أغلبية الأطراف حتّى تلك التي رأت في الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس التونسي يوم 25 يوليو 2021 فرصة استثنائية أوّلاً، لمحاسبة النهضة الإخوانية على الدمار الذي تسبّبت فيه لتونس، وثانياً، للانطلاق بتونس نحو غد أفضل.

ولعلّ أهمّ ملامح الأزمة هو الموقف الذي اتّخذه الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتحاد العمّال) بعدم المشاركة في أيّ حوار وطني «معلوم النتائج مسبقاً» و«لا يتوفّر على القدر الكافي من الجدّية». وعلى هذا الأساس، من المنتظر أن يعقد اتّحاد العمّال اليوم الاثنين اجتماعاً لهيئته الإدارية الوطنية من أجل اتّخاذ قرارات حاسمة سيُعلن عنها الأربعاء القادم خلال ندوة صحفية وُصفت بـ«الكبرى».

ومن المعلوم أنّ الاتحاد العام التونسي للشّغل كان ولا زال من أبرز المساندين للحراك التصحيحي لـ25 يوليو 2021، ولكنّه، كان كذلك من أشرس المطالبين بضرورة وضع خارطة طريق واضحة المعالم، وإرساء مبدأ التشاركية من خلال تنظيم حوار وطني جدّي حول المسائل الجوهرية التي تهمّ كلّ التونسيين، ومن ذلك، طبيعة النظام السياسي والانتخابي ووضع دستور جديد لتونس.

وذات المواقف عبّرت عنها أطراف داخلية وخارجية بالخصوص، ذلك أنّ الحركة التصحيحية ليوم 25 يوليو الماضي لقيت مساندة لا غبار عليها وطنياً ودولياً، ولكن المطلب المصاحب كان بضرورة إشراك الأطراف السياسية والحزبية في نحت مستقبل تونس. ولعلّ التردّد الذي لازم الرئيس التونسي بهذا الخصوص دفع عديد الأطراف المساندة له والقريبة منه إلى إبداء بعض التحفظات وحتّى المعارضة لسياسة الانفراد باتخاذ قرارات مصيرية لمستقبل تونس والتونسيين.

ولا يبدو أنّ البعض من محيط الرئيس الضيّق يسهّل عليه ربط الجسور مجدّداً مع المجتمع ومع الأطراف السياسية والحزبية والمدنية التي تعتبر الأساس في ديمومة استقرار الحُكْمِ وفي إعادة إنتاجه. وإنّ مكمن الخطر في احتمال توظيف حركة النهضة الإخوانية لهذه الظروف من خلال محاولة توسيع رقعة تحالفاتها مستندة في ذلك أساساً إلى سياسات الرئيس التونسي التي جعلته يخسر عشرين نقطة كاملة في استطلاعات الرأي بين أبريل 2021 وأبريل 2022، وكذلك مدفوعة بما تراءى لها سنداً دولياً، ينظر إليه جلّ مكوّنات المجتمع المدني والسياسي بكلّ حذر وارتياب. وقد تكون هذه الورقة الرابحة التي ما تزال بيد الرئيس قيس سعيّد شريطة توسيع قاعدة حكمه من خلال إرساء شراكة سياسية فعلية وجدّية مع الأحزاب والمنظمات الوطنية.

إنّ موعد 25 يوليو 2022 القادم وهو تاريخ إجراء استفتاء على دستور تونس الجديد سيكون حاسماً في مستقبل تونس، وهو يوم امتحان فعليّ لجميع الأطراف، فإمّا هو استفتاء ناجح، وهو ما يبدو صعب المنال بعد تواتر المطالبات بمقاطعته، وخصوصاً بعد مواقف الاتحاد العام التونسي للشّغل الأخيرة، أو هو موعد فاشل وهو ما سيطرح قضية مشروعية الرئيس وما ينفّذه من سياسات، لتدخل تونس منطقة ضبابية وخطيرة المآلات.

وإنّ أيسر السبل لتجنّب هذه المآلات هو اقتناع الرئيس قيس سعيّد بضرورة مدّ يديه إلى الأطراف السياسية والحزبية والمدنية التي باركت حراك 25 يوليو وأيّدت عملية التخلّص من النهضة الإخوانية التي نفّذت خلال عشرية حكمها سياسات كانت وبالاً على الدولة والمجتمع في تونس، فإمّا أن تنحو تونس هذا المنحى أو هي تدخل عالم المجهول الذي يفتح على كلّ السيناريوهات الكارثية. إنّ الطريق إلى الخلاص بيّنٌ حتّى لا يكون الاستفتاء القادم هو القطرة التي قد تفيض الكأس، وكذلك الطريق إلى الدمار والأزمة، فهو سالك.

وفي الأثناء تتخبّط تونس في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تفتح هي الأخرى باباً آخر لتعميق الشعور باليأس والإحباط، وتاريخ تونس «حافل» باللحظات التي يبلغ فيها اليأس منتهاه فينفجر الشارع ويفرض التونسيون شروط اللعبة السياسية من جديد.. وقد يكون في الأُفُقِ حراك مواطني يذهب بالحركة التصحيحية إلى نهايتها السعيدة ويقطع خطوات أبى الرئيس قيس سعيّد قطعها إلى حدّ الآن.

Email