انسداد أفق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس على طاولة المفاوضات فقط، بل عبر سلسلة من المواجهات العنيفة. وما إن هلّ الشهر الفضيل إلا، وكالعادة، تصاعدت وتيرة هذه المواجهات. بالنسبة للفلسطينيين، والمسلمين من خلفهم، يمثل مسجد الأقصى أقدس الأقداس، وبالنسبة لإسرائيل أن الأقصى يقع تحت سيادة دولة إسرائيل والتي لا تنفك عن الحديث عن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لكافة الديانات. ولكن في الواقع تهتم إسرائيل بقضيتين؛ تثبيت سلطتها، وفرض وجودها على الأراضي المحتلة وجعل الفلسطينيين يستشعرون هذا التواجد عبر إجراءات تنظيم زياراتهم لأماكن العبادة، وحياتهم بشكل عام.

ولا يبدو أن هناك حلاً في الأفق على المديين القصير والمتوسط، بل يجادل البعض أن القطار فات على حل الدولتين. ورغم ما نسمع عن عزم الإدارة الأمريكية على إيجاد حل بين الطرفين، ورغم ما نسمع عن اتصالات جارية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إلا أن الواقع يشي بانعدام ليس الحل فحسب، بل التصور تجاه حل يحفظ للفلسطينيين حقوقهم في أرضهم من جهة، ويحصل على تأييد من قبل الناخب الإسرائيلي من جهة أخرى.

تكمن الإشكالية في انعدام أفق للحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى التطورات التي أعقبت احتلال الضفة الغربية. يقال إن أحد القادة الإسرائيليين قال بعيد احتلال الضفة إن العروس جميلة ولكن المهر غال، والمهر هنا السكان القاطنون على الأرض الجميلة. وكانت فكرة حزب العمل الحاكم في 1967 أن الأراضي المحتلة ورقة مساومة يقايض بها الدول العربية لنيل الاعتراف مقابل إنهاء الاحتلال.

ولكن حزب العمل سمح للإسرائيليين باستيطان الأراضي المحتلة. ومنذ 1967 وصلت المستوطنات إلى 200 مستوطنة يسكن فيها ما يزيد على 620 ألف مستوطن. وتستولي المستوطنات على حوالي 40 % من أراضي الضفة. وبذلك أصبحت المستوطنات والمستوطنون كتلة حرجة في السياسة الداخلية الإسرائيلية يصعب تجاوزها. وقد أوضح الأستاذ الأمريكي أيان لستيك قبل ثلاثة عقود أن خطة الاستيطان تسعى إلى تكوين حقائق يصعب تجاوزها، وأن تفكيك المستوطنات سيؤدي إلى حرب أهلية بين الإسرائيليين.

وعلى ما يبدو فإن الوضع وصل إلى الحد الذي يصعب فيه تجاوز هذه الكتلة الكبيرة من الناخبين الإسرائيليين. وأصبح الاستيطان الرقم الصعب في المعادلة السياسية الإسرائيلية. والإشكالية أن اليمين الإسرائيلي المسيطر على مجريات الأمور يتخذ من هذه الكتلة قاعدة انتخابية مهمة. بل أن رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينت كان يتزعم حركة الاستيطان في الضفة الغربية. وقد تولى منصباً في مجلس الاستيطان العام منذ فترة.

ونرى كيف أن إشكالية الحل أصبحت عقدة بنيوية يصعب تفكيكها. وليس هناك من حتى أفق فكري يجادل إلى حل المعضلة المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كيف تتغير المعادلة بين إيجاد حل واستقرار الحكومة الإسرائيلية. فالحلول المقبولة بالنسبة للفلسطينيين (حل الدولتين) لا يسانده تحالف سياسي يستطيع أن يقيم حكومة مستقرة تستطيع أن تتقدم في المفاوضات نحو حل الدولتين.

وعلى المنوال ذاته، ليس هناك مكون فلسطيني يستطيع قبول الحد الأعلى لما تستطيع تقديمه إسرائيل سياسياً والاحتفاظ بتماسك تحالفها الحكومي. وهناك تكمن العقدة في منشار السلام الفلسطيني-الإسرائيلي. الحد الأعلى لإسرائيل لا يتوافق مع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية أو العربية وحتى الشرعية الدولية.

وكلما توسعت إسرائيل في بناء المستوطنات، كلما ضاق أفق الحل وكلما زاد وتيرة الصراع لانعدام الأفق السياسي.

السلام ضرورة إقليمية لخلق الظروف للتنمية والأمن والاستقرار. وكما قال حكيم الشعراء، زهير بن أبي سلمى، وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ، وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ.

 

* كاتب وأكاديمي

Email