تجار الحروب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام قليلة، أرسل لي إعلامي عربي كبير، فيديو لمقطع من برنامج وثائقي، يطرح سؤالاً مهماً ومباشراً، هو: من الذي يستفيد من الحروب؟.

مقدما الفيلم شاب وفتاة ذوا ملامح آسيوية، ويعتمدان في كلامهما على معلومات وردت في وسائل إعلام أمريكية وأوروبية كبرى، وجعلا العنوان العام هو: «تفحصنا عميقاً هذه الوثائق». ويقولان إن كل واحدة من هذه الأدلة، ساعدتنا لصياغة سؤال هام جداً، وهو:

من الذي يثرى من الحروب؟.

وأهمية هذا العمل، أنه يلقي الضوء الساطع على من الذي يستفيد من إشعال الحرب الروسية الأوكرانية واستمرارها مستعرة.

يقول الفيلم إن تكلفة الصاروخ الواحد من طراز ستينجر المعروف، والمضاد للدبابات، هو 120 ألف دولار، أما نظيره الجافلين، فيكلف قرابة 180 ألف دولار، وأوكرانيا تقول إنها تحتاج إلى 500 ستينجر، و500 جافلين يومياً، والمعلومة المهمة، هي أن من يصنع هذه الصواريخ شركتا: رايثون ولوكهيد مارتن الأمريكيتان.

لمن يتذكر، فإنه عند بدء الصراع، ورغم الآثار الاقتصادية السلبية التي ضربت قطاعات كثيرة في دول مختلفة، فإن أسهم لوكهيد مارتن، ارتفعت 20 %، وأسهم رايثون ارتفعت 11 %.

لكن هذا مثال واحد عن كيفية تربح الشركات الأمريكية من الحرب.

وبعد تفحص الأرقام والتقارير وكل شيء، فهناك لائحة بأكثر الناس صنعاً للثروة من الحروب. وفي كل الأحوال، علينا أن نحترس من التأثير الطاغي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لمجمع الصناعات العسكرية.

وهذا ليس كلامنا، بل تحذير للرئيس الأمريكي الأسبق، داويت إيزنهاور، قاله منذ 61 عاماً. على سبيل المثال، فإن العلاقة الوثيقة بين شركات الدفاع ووزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، وبين السياسيين، تحولت لوحش يسعى لحروب دائمة على حساب التعايش السلمي. ونظرة على بعض رواتب مديري لوكهيد - مارتن، فإن الأرقام الرسمية المنشورة، تقول إن روبرت ستيفنز كان المدير التنفيذي للوكهيد -مارتن، من 2004 إلى 2013. عندما تولى إدارة الشركة، كان يجني من 5 إلى 7 ملايين دولار سنوياً، لكن في 2006، وبعد 3 سنوات من حرب العراق و5 سنوات على حرب أفغانستان، تلقى 18 مليون دولار.

وعندما ترك منصبه في 2013، حصل على 28 مليون دولار.

هذا مثال متكرر على أنه، ومع زيادة حدة الحروب، فقد أتخمت جيوب مسؤولي شركات السلاح. دليل آخر، هو أن خليفة ستيفنز حصل على قرابة 34 مليون دولار سنوياً. وبالتالي، فالقاعدة هي أن الحروب جيدة جداً لهم، فحوالي 90 % من عائدات لوكهيد مارتن، تأتي من كونها متعاقداً مع الحكومة، وهذا يعني أن معظم أرباحها تأتي من دافعي الضرائب الأمريكيين.

ووفقاً لدراسة بيانات من جامعة براون الأمريكية، فقد أنفقت أمريكا أكثر من 14 تريليون دولار منذ حرب أفغانستان، نصفها ذهب أرباحاً لمتعاقدي السلاح، وضمن هذه الأموال الكثير من الهدر.

سؤال آخر يتعلق بالذين يمنحونهم العقود - الأموال؟

الإجابة تقول إنه في العقدين الماضيين، أنفق المتعاقدون أكثر من 2.5 مليار دولار على مجموعات الضغط، ما يعني أن المتعاقدين منحوا المال للسياسيين، من أجل التأثير في قرارتهم. ومما يلفت النظر هنا، هو أن شركة رايثون تبرعت العام الماضي بحوالي 15.4 مليون دولار لمجموعات الضغط، وغالبية أعضاء مجموعات الضغط، عملوا مع شركات السلاح، سواء في الكونغرس أو البنتاغون أو مجلس الأمن القومي، أو الوكالات الأخرى التي تشترك في تقرير ميزانية الدفاع الوطني.

على سبيل المثال، فإن رئيس الأركان السابق، الجنرال جوزيف دونفورد، الذي كان داعماً كبيراً للطائرة الإشكالية من لوكهيد إف ـ 35، انضم لمجلس شركة لوكهيد بعد 4 أشهر فقط من تركه منصبه العسكري. وطبقاً للمتابعين، فإن باب الوظائف الدوار يعمل بالاتجاهين، و4 من آخر 5 وزراء دفاع أمريكيين، عملوا في الشركات العسكرية بعد نهاية خدمتهم.

السؤال الجوهري هو: هل نلوم الشركات الأمريكية التي تستفيد من الحرب الأوكرانية، أم علينا أيضاً أن نلوم الحكومة الروسية، التي وفرت لهم فرصة ذهبية بالتورط في هذه الحرب، وربما الوقوع في المصيدة المحكمة؟!

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email