حقبة التمكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتشر في أدبيات الإدارة ووسائل الإعلام الغربية في حقبة الستينيات مصطلح «التمكين» أو empowerment. وهي محاولة من الدول والمؤسسات لتوسيع نطاق قدرات البشر وإمكاناتهم على النحو الذي يمكنهم من التأثير والتحكم في محيطهم عبر منحهم مزيداً من السلطات والقوة. ولو أخذنا على سبيل المثال ما حدث للمرأة فقط في بيئة العمل في كل أرجاء الكرة الأرضية سنجدها قد خطت أشواطاً كبيرة لم تخطُها خلال المئتي عام الماضية. فقد اخترقت المرأة ميادين العمل بشتى أنواعها، فصارت طبيبة ومهندسة ومحامية وقاضية ومديرة جامعة ووزيرة وسفيرة ورئيسة دولة.

وليس صحيحاً أن مشكلة تمكين المرأة مقتصرة على شعوبنا العربية، فما زال الغرب يعانون من مشكلة عدم تمثيل المرأة تمثيلاً عادلاً في المناصب القيادية ومجالس الإدارات. وكنت كثيراً ما أعمل تمارين في قاعات التدريس مع طلبتي لنبدأ بزيارة المواقع الإلكترونية لأشهر البنوك العالمية وشركات التأمين وغيرها والجهات العامة ثم نعرج على منطقتنا العربية لنجد أن هناك مشكلة حقيقية في تمكين المرأة من خوض غمار المناصب الرفيعة. فما زالت تمثل النسبة الأقل في الإدارة العليا فضلاً عن مجالس الإدارات.

ما يثير استغرابي أن نصف خريجات الجامعات هن من النساء في معظم بلدان العالم، فهن لسن نصف المجتمع فحسب بل حتى نصف الخريجين. لكن هناك جوانب اجتماعية عدة شائكة تحول دون تمكينهن، الأمر الذي اضطر حكومات إلى اللجوء إلى مفهوم الكوتا أي تخصيص مقاعد برلمان أو مجلس الإدارة للنساء كمرحلة انتقالية حتى يثبتن للعالم قدراتهن. كما أن مفهوم التمكين ليس محصوراً في النساء، فالتمكين هو أمر ينادي به البنك الدولي وغيره، عبر المطالبة بتوسيع قدرات الأفراد عموماً واستقطابهم للمشاركة الفاعلة في صناعة القرار، فضلاً عن ضرورة الاستقلالية في بيئة العمل حتى يمكن للمرء بلوغ الأهداف المرجوة.

وقد لفتني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عندما أطلق على حقبة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، بأنها «مرحلة التمكين». فهي بالفعل كذلك في هذه الدولة الفتية. فالأرقام تشير إلى أن تمثيل النساء في المناصب القيادية في الإمارات صار يفوق العديد من البلدان المتقدّمة. وأضحى المواطنون في شتى مؤسسات البلاد ومناصبها، يعملون جميعاً وفق استراتيجية عليا أضحت مثار إعجاب القاصي والداني. فعجلة التمكين في هذه البلاد واضحة وضوح الشمس، نراها في فريق فضاء كوكب المريخ، وفي البلديات، والوزارات، والشركات الكبرى. وسوف تجني البلاد المزيد من ثمارها قريباً.

ذلك أن فكرة التمكين تكمن في أنها تدخل فئات جديدة إلى عجلة التنمية والتطور، فيصبح لدينا جيوش من الخبراء والعلماء والباحثين والمبدعين الذين ينقلون ما جنوه في حقبة التمكين إلى الجيل التالي، وهكذا تنتقل الخبرات من جيل إلى آخر.

إذن في كل دولة ومؤسسة وشركة لابد أن تكون هناك «حقبة تمكين» جادة حتى يرى الناس كوادر البلاد والمؤسسات، فمن دون تمكين حقيقي عبر مزيد من السلطات والتأهيل لن تستفيد البلاد من طاقاتها الكامنة.

Email