حينما نذكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة، لا بد من أن نذكر عضيده المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي كان اليد اليمنى للأب المؤسس منذ صباه. فقد ترعرع الشيخ خليفة في كنف والده وتربى على يديه وتدرب في مدرسة زايد الكبرى وتخرج فيها رجلَ دولة مؤثراً في الساحتين المحلية والدولية.

حينما وصل الشيخ زايد إلى سدة الحكم في أبوظبي كان عليه أن يبدأ ببناء كيان للدولة. وكان البناء صعباً في ظروف محلية يعتريها العوز وضعف البنية التحتية سواء الصلبة من بيوت وشوارع وجسور، أو ناعمة من إدارة وكفاءات وطنية تدير هذه الحكومة الناشئة.

وقد علم زايد بفطرته ونظرته الثاقبة أن بقاء كل إمارة على حدة أمر مستحيل، وأن مصير كل الإمارات هو الاتحاد تحت علم واحد ودستور واحد وقيادة موحدة. وبسبب انشغال زايد بمشروعه الكبير، عهد الأب المؤسس للشيخ خليفة رحمه الله إدارة الشأن المحلي في إمارة أبوظبي لتطوير الجهاز التنموي والإداري للحكومة العتيدة.

وقام الشيخ خليفة بن زايد بتحمل المسؤولية الكبرى لتحويل الإمارة إلى إمارة تضاهي الدول المتقدمة. فنشر التعليم واهتم بالبنية التحتية وبالتطور والنمو الاقتصادي والتخطيط العلمي لمستقبل الإمارة. وكان الراحل الكبير يعي بفطنته أهمية التطور الاقتصادي لبناء رفاهية المواطن والمقيم وتأمين الحياة الكريمة لكل فرد في هذه الإمارة.

وكان نصب عيني الزعيم الراحل تحقيق أكبر قدر من المنفعة من موارد النفط واستثمارها في العملية التنموية للحاق بركب الدول المتقدمة وتحسين ظروف معيشة الشعب الذي عانى في بيئة تشح فيها المياه والأراضي الصالحة للزراعة ويقل فيها بالتالي الأمن الغذائي؛ فضلاً عن الرعاية الصحية والخدمية والتعليم.

ودخل الشيخ خليفة في مفاوضات جادة مع الشركات النفطية العالمية للحصول على حصة عادلة من هذه السلعة الاستراتيجية. وكان له ذلك. وإثرها شكل المجلس الأعلى للبترول للإشراف على تحقيق طموح الدولة وتحسين إيراداتها وتطوير الموارد لخدمة العملية التنموية الشاملة. وأسست شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) للمشاركة مع الشركات العالمية في استخراج وتطوير هذه السلعة الرئيسة في أبوظبي.

وحينما بدأت المحادثات بين حكام الإمارات لتأسيس دولة الاتحاد كان المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، على الدوام بجانب والده في كل المفاوضات إلى أن أفضى إلى دولة اتحادية. راهن الآباء المؤسسون وأولياء العهود على هذا الاتحاد وكسبوا هذا الرهان، بل إن الاتحاد تجاوز التوقعات.

والشيخ خليفة رأى أن الاتحاد والتنمية والتطور والرخاء يلزمها قوة تسندها فمنذ البدايات كان الشيخ خليفة يقود قوة دفاع أبوظبي النواة للجيش الاتحادي. وعمد الراحل الكبير إلى تكوين جيش بأحسن عدة وعتاد. واستقطب أصحاب المؤهلات العسكرية ليكونوا في الجيش الوطني. وغدت القوات المسلحة تحت قيادة خليفة من أفضل جيوش المنطقة يحسب لها ألف حساب، وسنداً للأشقاء والأصدقاء. وكان الراحل يؤكد دائماً تنويع مصادر التسلح؛ وأثبتت الأيام صحة توجهه.

وحينما انتقل الأب المؤسس إلى باريه في 2 نوفمبر 2004، انبرى الشيخ خليفة بن زايد إلى المسؤولية الكبرى لإكمال المسيرة الذي خطها والده والمضي بالدولة والمجتمع إلى آفاق أرحب. وقد قام الشيخ خليفة بتطوير مؤسسات الاتحاد وأعلن عن حقبة التمكين بعد حقبة التأسيس. وصرح المغفور له الشيخ خليفة بن زايد حينها «أن المرحلة المقبلة من مسيرتنا وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية»؛ وأضاف المغفور له: «سنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين تترسخ من خلاله قيم المشاركة الحقة ونهج الشورى».

وبذلك الإعلان أصبح نصف أعضاء المجلس الوطني منتخباً ابتداء من 2006 وحتى وقتنا هذا. وقد أعلن الشيخ خليفة حينها «أن العام المنصرم شهد منعطفاً مهماً في طريق التمكين السياسي وتعميق الممارسة الديمقراطية بانعقاد المجلس الوطني الاتحادي في فصله التشريعي الرابع عشر، فكان نصف أعضائه من العناصر المنتخبة، فيما تبوأت المرأة أكثر من 22 في المئة من مقاعده بما أضفى على التجربة ثراء وحيوية، وما زلنا على عهدنا قبل عامين أن نصل بالتجربة الديمقراطية إلى مقاصدها، بتوسيع نطاق المشاركة وتعزيز دور المجلس الوطني سلطةً تشريعية ورقابية».

رحل عنا القائد الفذ بجسده ولكن إنجازاته الكبيرة باقية عبر التاريخ. واليوم إذا بايعنا رئيسنا الجديد الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله ورعاه وسدد خطاه، ثقتنا عالية بهذا القائد المغوار والزعيم الهمام على مواصلة مسيرة زايد وخليفة والوصول بالإمارات إلى مراتب الدول المتقدمة. حفظ الله قادة الإمارات وحفظ الله الإمارات وشعبها وأمتنا والبشرية جميعاً.