وداعاً زعيم الأمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

فقدت دولة الإمارات، قائدها ورب أسرتها الكبيرة، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ خليفة بن زايد، طيب الله ثراه، والذي قاد الإمارات خلال أحد أهم مراحلها العمرية: مرحلة التمكين والتطور، الذي أدخلها التاريخ من أوسع أبوابه.

لم يكن خليفة حاكماً لشعب الإمارات، بل أباً ومعلماً، وصاحب أيادٍ بيضاء، وأحد رجالات الإمارات البارزين الذين ندر وجودهم. فقد تخرج خليفة في مدرسة زايد الحياتية، والتي لا شك أثّرت وأثرت مسيرته المهنية، منذ أن كان ولياً لعهد أبوظبي، إلى أن تسلم رئاسة دولة الإمارات. وكانت لمرافقته للشيخ زايد، الأثر الكبير في تطوير مهاراته الحياتية والقيادية، ليقود دولة الإمارات في أصعب مراحل تطورها، لتنافس الأمم الكبرى، وتقفز بسرعة على المسرح الدولي كلاعب مهم.

خلال العقدين اللذين قضاهما الشيخ خليفة رئيساً لدولة الإمارات، برزت الدولة على الساحتين العربية والدولية، كلاعب رئيس، وساحة مهمة لصنع القرار الاقتصادي والسياسي، وأصبحت الإمارات رقماً مهماً على الساحتين العربية والدولية، وفي الوقت ذاته، واكب مسارها الداخلي تنمية مذهلة، جذبت إليها أنظار المراقبين. واستطاعت الإمارات أن تكسر العديد من الحواجز النفسية، وأن تكسب الرهان في المؤشرات الدولية، خاصة في مجال التنمية الداخلية، لتقود أسرع حركة تغير في تاريخ المجتمعات العالمية. فلم تكن الإمارات تعامل من قبل الآخر على أساس أنها دولة نامية صغيرة، بل قوة سياسية واقتصادية مؤثرة.

خلال العقدين الأخيرين، خرجت الإمارات من ذلك الإطار الذي وضعته بها تلك الصورة النمطية المرسومة للدول النفطية، فلم تكن الإمارات تعتبر دولة نفطية فقط، بل منصة مهمة للتبادل الحضاري والثقافي، والاستثمار العالمي، وتضم تجمعاً مهماً للقدرات البشرية، التي جاءت من كل أنحاء العالم، لتعيش تحت مظلة التسامح والتعايش الذي وفرته الإمارات. وجاء الحدث العالمي إكسبو 2020 دبي، ليضع الإمارات على الخارطة العالمية، بوجه جديد مشرق، حيث أثبتت أنها قادرة على احتضان الفعاليات العالمية، والتفوق في الريادة وفي صنع الحدث.

لقد صنعت الإمارات لنفسها، بقيادة خليفة، أنموذجاً عالمياً متفرداً، قل نظيره بين مجتمعات العالم، أنموذجاً يجمع بين الشرق والغرب، بين مميزات الحضارة الحديثة وعبق الحضارات الإنسانية الغائرة في القدم، بين ما تتطلبه الإدارة الحديثة من شفافية وتكامل ودقة في العمل، وما يتطلبه الإنسان من قيم دينية واجتماعية وإنسانية، في مزيج عجيب وخليط متجانس.

لقد استطاع خليفة أن يخلق من الإمارات أمة جديدة، تتوق لمثلها الأمم الأخرى، وتحاول جاهدة تقليدها في طريقة تطورها، وفي سبل نهضتها. ورحل خليفة عن دنيانا في مرحلة صعبة في مسار التاريخ الدولي، فالعالم يمر حالياً في واحدة من أحلك لحظاته، ولا شك أن الإمارات سوف تفتقد حكمة خليفة وقيادته الأبوية. فقد استطاع أن يحظى بحب يشابه ما حظي به زايد، وأن يدخل قلوب أهل الإمارات والمقيمين فيها، بدماثة خلقه وحنانه الأبوي.

إن الإمارات بعد خليفة، سوف تدخل في مرحلة جديدة من تاريخها، قائمة على الأسس التي وضعها زايد وخليفة. ولا شك أن إرث الفقيدين سوف يرسم للدولة مسارها القائم على الاهتمام بالتنمية الداخلية، وبالإنسان، الذي هو الثروة الحقيقية لهذا البلد. وسوف يظل التخطيط للمستقبل والتنمية الوطنية والاهتمام بالطاقات الوطنية الشابة، في قلب اهتمامات القيادة السياسية.

سيترك خليفة فراغاً كبيراً في قلب الإمارات، ولكن مما لا شك فيه أيضاً، أن القيادة الجديدة لدولة الإمارات، سوف تكون قادرة على ملء ذلك الفراغ، بالاستمرار بالسير على سياسة السلف الصالح، وخلق المواطنة الصالحة، التي خلفتها القيادة الرشيدة، خلال الخمسين عاماً الماضية.

لقد حمل خليفة الأمانة، والتي لا شك أنها كانت حملاً صعباً، وسوف يتسلم الراية من هو جدير بحملها، والسير بها إلى المستقبل. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فإن الدولة سوف تدخل النصف الثاني من المئوية الأولى، مستندة ومتسلحة بأسس ومبادئ إنسانية لا مساومة عليها، فرفاهية المواطن والقيم الإنسانية وحسن الجوار، ومساعدة الضعيف وإغاثة الملهوف، والانفتاح والتسامح، هي القيم التي قامت عليها الدولة قبل خمسين عاماً، وسوف تكون العمود الفقري لتوجهات الإمارات المستقبلية.

Email