وثيقةُ البيعة.. كلمة في تقاليد الحكم الراسخة للدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل حدث تاريخي كبير تكون اللحظات الأولى هي ذات التأثير الأعمق في طبيعة المسيرة لهذا الحدث، ومنذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، كانت مسألة الحكم تقوم على أنه تكليف ينطوي في جوهره على أكبر الأعباء، ولقد قص لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تلكم القصة النادرة الفريدة التي تدافع فيها القائدان الكبيران طيبا الذكرى: زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، مسألة رئاسة الدولة، وكيف أن كل واحد منهما كان طيب النفس بها للآخر، ليكون المغفور له الشيخ زايد هو القائد والباني والرئيس الأول للاتحاد يسانده بكل قوة وإخاء واقتدار الشيخ راشد بن سعيد مع أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، لتبدأ قصة الحكم في الإمارات العربية المتحدة هذه البداية الراشدة الرشيدة التي كانت وراء جميع مظاهر التقدم والإنجاز في بلدنا الطيب الحبيب.

وعلى هذا الهَدْي الحكيم الرشيد، ها هو التاريخ يعيد نفسه في هذه الأيام التي فقدت فيها الإمارات قائدها الكبير المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله، الذي غادر هذه الدنيا تاركاً وراءه إرثاً لا يُنسى من الإنجازات والذكريات التي تستعصي على النسيان، لينتخب المجلس الأعلى للاتحاد بالإجماع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة وليكون هذا الحدث تجسيداً حضارياً لرسوخ تقاليد الحكم في هذه الدولة راسخة التكوين، فهي قد نشأت على الوضوح والمحبة والإيثار وتقديم مصلحة الوطن على جميع المصالح حين اكتشفت أنّ قوتها في وحدتها وتلاحم رجالاتها، فالحمد لله على نعمة السكينة والإخاء الذي ينعم به بلدنا ويجني من ورائه أطيب الثمرات.

وتعبيراً عن مشاعر الفخر والمحبة والغبطة بهذا الحدث التاريخي الكبير في مسيرة الدولة، نشر صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد على حسابه في إنستغرام قرار المجلس الأعلى للاتحاد بانتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيساً للدولة، عبّر فيه عن أصدق مشاعر الفخر بالبلاد ورئيسها الجديد الذي تربى في مدرسة الشيخ زايد، وعاصر نشأة الدولة في عنفوانها، وعاش تفاصيلها كاملة من خلال قربه من مؤسسة الحكم، واضطلاعه بالمهام الجسيمة المتمثلة في ولاية عهد أبوظبي، ونيابة القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلاً عما عُرف به من انخراطه في جميع مشاريع الدولة، ومتابعته الحثيثة لكل منجزاتها، وتوجيهاته السديدة لكل مظاهر الإنجاز، فهو رمح مصقول وسيف قاطع نشأ في كنف فارس حكيم، وتعلم منه تقاليد الحكم وأفانين السياسة.

(عرفناه قائداً... وبايعناه رئيساً) بهذه الكلمات الرائعات افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وثيقة البيعة الصادرة عن المجلس الأعلى للاتحاد، ليؤكد بذلك عمق الارتياح الذي تشعر به مؤسسة الحكم بقدوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيساً للدولة خلفاً لأخيه فقيد الوطن المغفور له الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، لتبدأ الدولة مسيرة جديدة بقدومه الميمون في مطلع المئوية القادمة للدولة التي تعرف مكانة قائدها وعظيم إخلاصه لها، فهي بحسب الوثيقة تعرفه قائداً عظيماً في ميادين البطولة والرجولة، وحامياً باسلاً للاتحاد، وبانياً متفانياً للقوات المسلحة، ومؤسّساً مستنيراً لمئوية جديدة للدولة تدخل بها حقبة تاريخية جديدة وتحقق من خلالها ولادة جديدة للحياة في جميع مساراتها وتجلياتها، من خلال مسيرة متسارعة لمسيرة التنمية التي رسخت مكانة الدولة كنموذج يقف في مصاف الدول المتقدمة في جملة وافرة من المؤشرات الحضارية.

أما الجانب الإنساني في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد فقد ظفر بإضاءة كاشفة من خلال وثيقة البيعة حيث نوّهت بأخلاقه النادرة في الكرم والحنوّ على الشعب والمبادرة الدائمة لحل مشكلات أبناء وطنه بمحبة صافية تلقاها عن شيخه ومُلهمه الشيخ زايد رحمه الله الذي أنشأ هذا الوطن على ثقافة الحب والحزم والحكمة والتسامح، وتكاتف الأيدي في سبيل مجد الوطن ورفعة شأنه، فضلاً عما عرف به سموّه من قربه من أبناء وطنه وصهره للمسافة بين قلبه وقلوبهم، وحين نستمع إليه وهو يخاطب أبناء شعبه لا نملك إلا أن نسجل الإعجاب والتقدير لهذا القائد النادر الذي يعطي من القلب ويتكلم من أعماق الوجدان.

ويؤكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أنّ حُكام الإمارات وشعب الإمارات يقفون صفاً واحداً خلف قائدهم وسيد بلادهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ويعطونه السمع والطاعة من قلوب مخلصة وبصائر مستنيرة تعرف أن المرحلة القادمة ستكون حافلة بالخير والإنجازات، فصاحب السمو هو الناشئ في قلب هذه الدولة، وهو الخبير بالجليل والدقيق من شؤونها، وعلى كاهله قام الكثير الكثير من مشاريعها التنموية الضخمة، فالأجيال مستبشرة بالرئيس الثالث لهذه الدولة الناهضة بكفاءة واقتدار، الساعية نحو أهدافها بعزيمة لا تعرف الانحسار، بحيث ستظل الإمارات نموذجاً يحتذى به في التقدم والإبداع، والجمع بين الأصالة والمعاصرة، والعمل على مساعدة الإنسانية من منظور رحب ينأى بنفسه عن التعصب، ويبذل الخير لكل محتاج، فهكذا نشأت هذه الدولة، وهذا هو صمام أمان مسيرتها التي جاءت لها بأطيب النتائج والثمرات.

ثم كانت الخاتمة التي اشتملت على أرقى مشاعر المحبة والتبريك لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بمناسبة تسلمه مقاليد الحكم رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة، سائلين المولى عز وجل أن يأخذ بيده، وأن يلهمه رشده، وأن تظل الإمارات رافلة في ثياب العز والمجد والسؤدد، برعاية موصولة من قادتها الذين يؤثرونها على كل شيء، ويرون مجدهم في مجدها، وسعادتهم في بقائها حرة أبيّة متماسكة عصية على كل مظاهر الفرقة، فخورة برجالها، سعيدة بأبنائها، لتظل هي الخيمة التي تجمعهم، والغيمة التي تمطرهم وتنبت في بلادهم الزهر والربيع، والسلام على وجه هذا الوطن الجميل الذي يستحق كل هذا الحب، ليظل مثل نجم سهيل تستبشر النفوس بطلعته، وترتاح الأرواح لِلَمْعَتِهِ التي تخبّئ وراءها كل خير.

Email