الإقناع في زمن «الفهلوة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يخبرك مطعم ‏أو متجر أو مكتب سفريات بأن جميع الحجوزات لم تعد متوافرة لعدة أسابيع، فإن رغبتك في حجز أي مقعد أو منتج سوف تتضاعف، وهذا هو قانون «الندرة» scarcity الذي أظهرته دراسات التأثير.

وعندما يسدي لنا شخص معروفاً، نجد أنفسنا نميل إلى رد المعروف حتى ولو كان مثلاً هدية رمزية من صاحب متجر، ستجد نفسك قد تحمست لزيادة المشتريات في محاولة لرد الجميل لصاحب المتجر، وهذا هو قانون «رد الجميل» الذي بالفعل اتضح أنه يغير سلوكيات البشر تجاه رغباتنا الخفية.

‏وعندما ‏يخبرك أحدهم بأن جميع الأصدقاء أو الزملاء أو الأقارب سيسافرون في هذه الرحلة أو النزهة، ستجد أنك مدفوع تجاه الموافقة السريعة قبل أن تتأكد من تفاصيل الرحلة، ‏وهذا هو قانون «الإجماع»، ‏فقد حاول الباحثون إقناع نزلاء الفندق بإعادة استخدام الفوط (المنشفة) كما يفعل النزلاء السابقون، فكانت الاستجابة محدودة ودون التوقعات، ولكن عندما قالوا إن نحو %70 من النزلاء قد أعادوا استخدام هذه الفوط، هنا ارتفعت نسبة الاستجابة لدرجة كبيرة فاجأت الباحثين أنفسهم، والسبب أن الإجماع يقنع المترددين.

كل هذه العناصر وغيرها أقدم عليها بريطاني قيل ‏إنه حاول إقناع الناس عبر تجربة اجتماعية بأن مزيداً من التسويق يمكن أن يقنع العملاء في التفاعل مع مطعم وهمي ليس له وجود على أرض الواقع. كل ما في الأمر أن هذا الرجل قد استخدم طرقاً تسويقية بعضها دعمته دراسات عديدة سابقة كما ذكرنا آنفاً، وبعضها ثبت جدواها فعلياً كوسيلة فعالة للتأثير على سلوكيات الناس.

‏ما فعله الرجل باختصار أنه أنشأ موقعاً وصوراً كاذبة واتفق مع مجموعة كبيرة من المروجين (الزبائن) للحديث عن جودة المطعم وتجربتهم «الوهمية» فيه. وبدأت الناس تُقبل على هذا الموقع الزائف حتى ارتفعت نسبة زيارات الموقع ليتبوأ أعلى قائمة المطاعم الأكثر تفضيلاُ في العاصمة البريطانية لندن.

‏ما فعله هذا الرجل تفعله مئات الشركات حول العالم، بعضها بطرق أخلاقية، وبعضها بطرق غير أخلاقية لتخدع الزبائن بإقبال وهمي. ما يهمني هو أن هناك أبحاثاُ علمية لا تتصادم مع قيمنا، كأن نذكر العملاء بلغة الأرقام بأن هناك عدداً كبيراً قد أقبل على المنتج الفلاني أو لم يتبق سوى قطعة واحدة، وهي كلها أمور مشروعة، لكنها تسويقية لتسريع قرار عقد الصفقات أو الشراء، مثل ما يظهر لنا أثناء حجز الفندق عبر التطبيقات الإلكترونية بأن هناك 13 شخصاً يعاينون هذه الغرفة التي توشك أن تحجزها، وهو نوع من التشجيع على سرعة اتخاذ القرار لا بأس به، لأنه عرض لمعلومات حقيقية، وليست من وحي الخيال.

‏إذن لدينا نحن الأفراد والمسؤولين والمؤسسات ركام هائل من الأرشيف البشري وسلوكياته، فضلاً عن الدراسات التي تظهر أنه يمكن تغيير سلوك الناس بالحكمة وحسن اختيار الطرق المؤثرة التي لا تتصادم مع القيم الأخلاقية، لكنّ عدداً من الأفراد والمؤسسات ما زالوا يؤثرون «الفهلوة» أو المبالغات في التأثير على الناس.

Email