كيف دعم الخليج مصر بعد ثورة يونيو؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لولا تدخل الأشقاء العرب بعشرات المليارات من الدولارات في عامي 2013 و2014 لم تكن لمصر قائمة حتى الآن» هذه العبارة قالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مساء الثلاثاء قبل الماضي خلال «إفطار الأسرة المصرية» بالقاهرة.

وقبل مناقشة وتحليل هذه العبارة المهمة من الضروري العودة إلى السياق الذي تحدث فيه الرئيس السيسي، حيث كان يحضر «إفطار الأسرة المصرية» الذي ضم حوالي ألف مدعو يمثلون مختلف فئات الشعب المصري تقريباً، بل وحضور لشخصيات محسوبة على المعارضة للمرة الأولى منذ سنوات.

حيث أطلق الرئيس السيسي تلك الليلة دعوة للحوار السياسي بين مختلف القوى السياسية المصرية. البعض على وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن يفضل أن يقول السيسي هذه العبارة الخاصة بالأشقاء العرب، لكن الرئيس قال إنه تعود على مصارحة المصريين في إطار من الصدق والإخلاص في العمل والنوايا والتجرد من الانتماء إلا للوطن.

والبعض الآخر يرى أن ما فعله الرئيس من إقرار بدور الأشقاء العرب هو عين الصواب، حتى يعرف المصريون من وقف معهم ومن وقف ضدهم في تلك الأيام شديدة الصعوبة. وربما بعض الأجيال الجديدة لا تتذكر تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر ومن تاريخ المنطقة العربية.

ولهذا الجيل الجديد ينبغي أن يعرف أنه عقب نجاح ثورة 30 يونيو 2013، وصدور بيان 3 يوليو الذي تم فيه إزاحة الإخوان من حكم مصر، وتولى رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور الحكم مؤقتاً بدعم من الشعب والقوات المسلحة وغالبية القوى السياسية، قررت الإمارات تقديم دعم عاجل لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والكويت بأربعة مليارات دولار، والسعودية بخمسة مليارات دولار، لدعم استقرار مصر.

المساعدات المالية خصوصاً الإماراتية - السعودية، استمرت لمصر طوال هذين العامين 2013، 2014، لكن ربما كان الدعم السياسي لا يقل أهمية عن هذا الدعم المادي.

ففي هذه الأيام وفي كلمة مشتركة لخادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده آنذاك الأمير سلمان بن عبدالعزيز، جاء فيها: «السعودية لن تسمح بأن يخرج فيها من يمتطي أو ينتمي إلى أحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، ليستغل الدين لباساً يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة».

ولا ينسى عربي منصف الدور المهم الذي لعبته الدبلوماسيتان، الإماراتية والسعودية، لدعم استعادة مصر مكانتها في المحافل الدولية، خصوصاً الأمريكية والأوروبية.

البلدان كانا من أوائل الدول التي دعمت الشعب المصري، وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، أول مسؤول رفيع المستوى يزور القاهرة لإعلان دعم الإمارات لاستقرار مصر عقب 30 يونيو، ثم كانت هناك جولات عربية شديدة الأهمية قام بها سموه، والراحل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، لدعم مصر في العواصم الأوروبية والولايات المتحدة والتراجع عن محاولات عزل ومعاقبة مصر.

الخليج قال بوضوح وقتها للولايات المتحدة وأوروبا: «سنقدم المساعدة لمصر حال هدد أحدهم بوقفها».

أكثر من دبلوماسي خليجي كبير وقتها تحدى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي كانت تحاول عزل ومعاقبة مصر، وقالوا ما معناه: «نحترم ونقدر علاقتنا مع الولايات المتحدة، لكن الحفاظ على مصر واستقرارها وهويتها العربية أهم عندنا بكثير».

وحتى من وجهة نظر «النيويورك تايمز» فإن دعم الإمارات والسعودية لمصر بعد 30 يونيو كان كافياً للتغلب على الضغوط الخارجية، وإن الدعم المالي كان حاسماً للحفاظ على استقرار الجنيه المصري وتدفق الائتمان، بعدما انخفضت احتياطات النقد الأجنبي لأقل من 15 مليار دولار، بعد أن كانت قبل 25 يناير 2011 حوالي 36 مليار دولار.

مسؤولون خليجيون كثيرون تحدثوا في هذه الفترة وقالوا بوضوح إننا وقفنا مع مصر هذه الوقفة المهمة لدعم اقتصادها والحفاظ على هويتها، ودفاعاً أيضاً عن المصلحة العربية المشتركة، لأن نجاح القوى المتطرفة والظلامية في الاستمرار بحكم مصر، كان يعني تمدد هذا النموذج إقليمياً، خصوصاً أن التيارات المتطرفة كانت قد بسطت سيطرتها على أكثر من بلد عربي بالتوازي مع زيادة نفوذ تنظيمي داعش والقاعدة وسيطرتهما على أكثر من نصف مساحتي سوريا والعراق.

إن العلاقة المصرية المتميزة مع الخليج عقب ثورة 2013، خصوصاً مع الإمارات والسعودية، ونجاح ثورة يونيو، هي التي لعبت الدور الأكبر في الحفاظ على الحد الأدنى من النظام الإقليمي العربي، والأهم أنها ساهمت بقوة في إجهاض المخطط الخطير لسيطرة التيارات المتطرفة على كامل المنطقة العربية.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email