مأزق النجاح الأول

ت + ت - الحجم الطبيعي

سئل نابليون بونابرت عن فن النجاح فأجاب: أن تكون مرة شجاعاً ومرة حذراً. ويفهم من هذا القول لقائد ناجح بمعطيات تلك الفترة التاريخية، أن فن النجاح يلازمه عاملان: الشجاعة وهي إرادة الإقدام، والحذر وهو الانتباه والاستشراف.

كثيرون تحدثوا عن النجاح بعد فشل لتصدير رسالة إلى الناس مفادها، أنهم بعد أن قطعوا تلك الحالة المؤلمة التي أعقبت الإخفاق، وضعوا يدهم على كيفية استطاعوا عبرها تحويل سقوطهم إلى نهوض وفشلهم إلى نجاح، ليصبح من نافلة القول إن النجاح بعد فشل لا يتأتى إلا عبر مسيرة طويلة تأخذ من المغامر الجاد والحريص جهداً وجلداً كبيرين. وللحقيقة فإن من ينجح مرة قد تتوالى نجاحاته في أكثر من مجال إن رغب وأصر، بما قد يبدو شبه حقيقة مسلمة هي أن النجاح قد يجر وراءه نجاحاً آخر، أو حتى نجاحات، كما المال في حال توظيفه بشكل سليم، قد يجر وراءه مالاً أزيد. ومعادلة كهذه تحمل الخطأ والصواب.

لكن ثمة من يدحض كلامنا هذا جملة، ويقول قولاً غريباً فيه ما يبعث على التأمل، بأن النجاح الأول في أمر من الأمور أو في مشروع من المشروعات، لا يعني أنه يمكن أن يتكرر في المحاولة الثانية، بل إن النجاح الأول قد يشكل مأزقاً عسيراً لصاحبه يصعب تجاوزه؛ فالأضواء المبهرة للنجاح الأول ستظل ساطعة على أي محاولة تالية ما قد يجردها من عوامل الإبهار واللمعان، فتظل باهتة خافتة لا تلفت نظراً.

لكن قد يسأل سائل: لماذا لا نستخدم في المحاولة الثانية، خريطة الطريق ذاتها التي أوصلت إلى النجاح الأول؟ الجواب هو لا يمكن إعادة استخدامها كون الفترة الزمنية والظروف والفكرة والوسائل اختلفت بالمجمل عما كانت سابقاً.

وقاعدة كهذه قد تنسحب على مشروعات الكتابة الإبداعية حيث تتساوى في ذلك مع أي مشروع آخر باستثناء الفكرة والغاية والمهارة والأدوات الكتابية المستخدمة، فهي ذات خصوصية وتميز. وكمثال في هذا السياق نقول إن الكتاب الذين نجحوا في روايتهم الأولى، أخفق أغلبهم في كتابة الرواية التالية، التي لن ينالها من النجاح والمقروئية والمبيعات والتوزيع سوى القليل خلافاً لما حظيت به الأولى. والأمر قد يذهب مذهباً آخر أكثر تأزيماً؛ فمنهم من يصف هذا المأزق بأنه نفق ضيق ومظلم يصعب تجاوزه بسهولة، ومنهم من لا يعتبر الكاتب روائياً حقاً ما لم يكتب وبنجاح ثلاثة أعمال متتالية، وبعض ثالث قد يسقط في حفرة عميقة من دون أن ينتبه، عندما لا يقبل منه قراؤه ومعجبوه عمله الثاني، مما يضطره أن يلجأ إلى استنساخ شكل وأسلوب عمله الأول الناجح، ويكرره، ليواجه بعدها تهمة تكرار نفسه، وهذه طامةً أخرى؛ إذ سيظل الكاتب فريسة لتلك «النمطية» التي استجلبها لنفسه وقد تنتهي به إلى الضياع. إن النجاح الأول يضاعف من مسؤولية الناجح ويجعله أكثر رهبة عند الإقدام على الكتابة أو أي مشروع آخر مختلف. 

لكن الملاحظة الأخيرة، وتتعلق بالكتاب والمؤلفين، هي أن نجاح العمل الأول يطبع حياة صاحبه لأزمان مديدة بالزهو والانتساب إلى النجاح، حتى إذا ما أخفق بكتابة عمل ثان تغيب عنه الجودة، ويكون أقل حظاً من الأول، فالتهمة الجاهزة التي تنتظره هي أنه ليس الشخص الذي كتب بديعته الأولى، بل هنالك شخص آخر «كاتب شبح» هو من قام بكتابتها عوضاً عنه، ليبقى إيلام هذه الأخيرة أشد أذىً من حصاة في حذاء.

 

بقلم محمد حسن الحربي

إعلامي وكاتب صحافي

Email