«كتبٌ وكتّاب» جرعة معرفية نفيسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«وأنا أحاول ألا أكون قارئاً عابراً يقرأ كتاباً ثم يركنه ليتناول آخر، بل حرصت على أن أدون ما يعن لي من ملاحظات، إذا وقفت على ملاحظات وآراء للمؤلف تستحق المناقشة».. «إن الكاتب الذي يقدم لمجتمعه عملاً فكرياً، يسره ويسعده أن يلقى الثناء ممن يتناولون عمله بالمراجعة النقدية أو القراءة، لكن الناقد ينبغي له أن يكون محايداً لا يخضع لأي تأثير سوى ما يمليه واقع ما يقرأ من عمل فكري».

المقتطف أعلاه من مقدمة للكتاب مدار مقالنا، لمؤلفه الأديب والكاتب عبدالغفار حسين، آثرت الاستهلال به لما فيه من ضوابط يمكن للقارئ أن يحملها معه وهو يدخل بوجل المتبصر، بوابة كتاب «كتبٌ وكتّاب» الصادر حديثاً بصفحاته التي زادت على الثمانمائة صفحة، بسط فيها المؤلف بسلاسة ودقة آرائه وتعليقاته الانطباعية والنقدية حول 150 كتاباً، بينها 60 كتاباً لمؤلفين إماراتيين بين أديب ومفكر وسياسي وإعلامي. الكتاب جرعة معرفية نفيسة ووازنة لا تقدر بثمن، كونها جمعت خلاصة المتون المستعرضة مع التعليقات لتصبح في حوصلة واحدة، ولتكون بحق زوادة الوقت ونبراس هادياً لا يستهان به للحائرين بحثاً عن الكلمة البدء، إدراكاً من المؤلف أن الكل في هذا الزمن عجلان يريد اللحاق بغامض دائم الفرار لا يثبت على حال، يقض مضجعهم ويمنعهم الركون لطمأنينة، أو إلى نفوسهم للتأمل والتفكر والتدبر، وخاصة القراءة التي هي مفتاح كل مسألة في الكون والوجود.

في الحقيقية أنني لم أشاهد على مدى سنوات طوال في الوسط الثقافي، جمعاً لكتاب ومؤلفين ونشطاء ثقافيين وأكاديميين في مكان واحد، مثلما وجدت في مؤسسة العويس للثقافية والإبداع في مساء ذلك اليوم المشهود، السبت الماضي. وكم سرتني رؤية تلك الكوكبة من الأسماء والوجوه وقد رمزت بحضورها إلى أهمية المؤلف ومكانته، والكتاب وما حوى من معرفة شمولية تشاركية مضيئة، وفرت على القارئ الجاد الكثير من الوقت والجهد وخبرة الانتقاء، التي لا يتوافر عليها سوى خبير، وهل ثمة من خبير في الكتب وطبيعة موضوعاتها وأهميتها وغاياتها واقتنائها أفضل من أستاذ الجيل عبدالغفار حسين؟ وهو الذي شهد له صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قائلاً: «إنه شخصية وطنية بإمتياز». وذلك أثناء تقلده له بوشاح محمد بن راشد آل مكتوم في التاسع من يونيو 2011. 

لكن ما الذي فعله أبا نبيل بطرحه لمؤلفه الجامع هذا في المجتمع؟

أمور كثيرة لاشك من بينها: أنه جمع كماً كبيراً من الكتب القيمة في كتاب واحد، بحيث من يحمل هذا الكتاب لقراءته فهو في الحقيقة إنما يحمل معه 150 كتاباً وموضوعاً مختلفاً واسماً، وأنه وفر على القراء الوقت والجهد؛ إذ أن الكتب ملخصة، وأن التعليق عليها من قبل المؤلف، بما يبين نقاط قوتها وضعفها إن وجدت، ووجهة نظره في مضموناتها، ضمنت للقارئ وقوفه على السكة السليمة، وأن عليه أن يأمن وهو يقرأ ويستمع فالتعليقات النقدية ترافقه من الكتاب الأول حتى الأخير ولا تتركه نهباً للظنون التخرصات، وأن الكتاب الجامع قد أعطى بشكل غير مباشر مؤشراً على حركة النشر المحلية، وطبيعة المؤلفات، ونسبة منتوجية الكتّاب، والموضوعات الأهم التي ينجذبون إليها دون غيرها، وعبر ذلك يمكن أيضاً، معرفة قطاعات القراء المستهدفة في المجتمع من قبل المؤلفين والكتّاب. نعم، هذا كله قد وفره مؤلف واحد هو «كتبٌ وكتّاب».

في الختام، تحية إجلال وإكبار لأستاذنا الفاضل عبدالغفار حسين، وفي انتظار الجديد المتوقع دائماً.

*إعلامي وكاتب صحافي

Email