استراتيجية الصين في أزمة أوكرانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدرك الصين جيداً أنها جزء من معادلات الأزمة الأوكرانية، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الدعوات الغربية للصين بالتوقف عن دعم روسيا تكاد تكون يومية، كما تخشى بكين أن تتوسع الدول الغربية في فرض عقوبات على بعض الشركات والكيانات الصينية التي لها تعاملات اقتصادية مع روسيا. ولا يمكن تجاهل تصريح الخارجية الأمريكية بأن إفشال روسيا في أوكرانيا سوف يكون رسالة قوية لموقف الصين من تايوان.

كل هذا يضع الصين في قلب معادلة هذه الأزمة التي دخلت شهرها الثالث بتسجيل الصين نجاحاً كبيراً وحكمة عالية في التعامل مع التداعيات.

فمن جانب تدرك الصين أن التحالفات العسكرية الغربية مثل «أوكوس» و«كواد» و«كواد بلس» و«العيون الخمس» وغيرها تستهدفها في المقام الأول، كما يستهدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاتحاد الروسي، لكن على الجانب الآخر، تعلم الصين أن لها مصالح ضخمة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، فحجم تجارتها مع الاتحاد الأوروبي وصلت إلى نحو 850 مليار دولار، كما أن تجارتها مع الولايات المتحدة وصلت العام الماضي لنحو 750 مليار دولار، وتحقق الصين فائضاً هائلاً لصالحها سواء مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، في حين لا يزيد حجم تجارتها مع روسيا قبل الأزمة على 120 مليار دولار، فما هي الاستراتيجية الصينية في التعامل مع ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية؟ وكيف نجحت في الحفاظ على مصالحها حتى الآن مع الطرفين دون خسائر تذكر؟

«الثور الأبيض»

تدرك الصين أنها الهدف الأول للتحالفات السياسية والعسكرية الغربية، وأنه بمجرد انتهاء الغرب من روسيا سوف يتوجه مباشرة ومن دون تأخير إلى الصين، وأن «حلقات النار» التي نشرتها القوى الغربية حول الحدود البرية والبحرية الروسية، والاقتراب الشديد لـ«الناتو» نحو الحدود الغربية لروسيا، ما هو إلا تكرار لنفس الاستراتيجية التي يتعامل بها الغرب مع الصين في ملفات مثل بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي وغيرها.

ولهذا تنظر بكين إلى صمود روسيا وقدرتها على المواجهة لفترة أطول وتحقيق الحد الأدنى من أهداف موسكو في أوكرانيا، بأنه يصب في صالحها، إذ تفهمت «المطالب الأمنية» الروسية من الغرب و«الناتو»، كما رفضت وصف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأنها «غزو» أو «اجتياح»، فالصين تطبق حكمة «الثور الأبيض» الذي تسامح زملاؤه في هلاكه فجاء الدور عليهم سريعاً.

والدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنها الرئيس جو بايدن في 25 مارس 2021 وضعت الصين مع روسيا بمثابة الخطر الذي يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين مواجهته، وهو أمر بات في اليقين الأمريكي بالكامل، وليس لدى إدارة بايدن فقط، فالرجوع قليلاً إلى الخلف، وتحديداً في 19 ديسمبر 2017 نجد الصين تصطدم باستراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد الجمهوريين والرئيس السابق دونالد ترامب، التي وصفت الصين مع روسيا بأنهما المنافستان الاستراتيجيتان للولايات المتحدة على الساحة الدولية.

الحذر ثم الحذر

في ظل هذه التعقيدات المحيطة بالأزمة، رسمت الصين استراتيجية تقوم على محورين، الأول مع روسيا من خلال تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع موسكو، خاصة اتفاقية الصداقة والشراكة التي تم توقيعها في يوليو الماضي، والالتزام بحزمة الاتفاقيات التي وقعها الرئيس شي جينبينغ والرئيس فلاديمير بوتين على هامش الأولمبيات الشتوية في 4 فبراير الماضي، وشراء مزيد من الغاز الروسي عبر الخطوط الجديدة مثل «قوة سيبريا 2»، ورفض جميع أنواع العقوبات خارج مجلس الأمن.

والمحور الثاني يقوم على الدعوة للحل السياسي، وعرض الوساطة بين الجانبين المتحاربين، وتعزيز التشاور مع الأوروبيين باعتبارهم الأكثر تضرراً من الأزمة، والأهم من كل ذلك، أن الصين تأمل في خروج روسيا من هذه الأزمة عنصراً فاعلاً في معادلة التوازن الدولي، لأن خروج موسكو من هذه المعادلة ليس في صالح الصين.

Email