الإمارات وسياسة الحياد الإيجابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرضت الأزمة الأوكرانية نفسها بقوة على قمة أجندة الاهتمامات العالمية خلال الشهرين الماضيين، في ضوء ما أفرزته من تداعيات خطرة على العالم كله، مع ارتفاع أسعار السلع الرئيسة، لا سيما الغذائية، وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد لبعضها، ما شكّل تهديداً للأمن الغذائي لكثير من الدول، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية بصورة كبيرة مع قيام بعض الدول الغربية بفرض عقوبات على واردات النفط الروسي، فيما أعادت هذه الأزمة حالة الاستقطاب الدولي من جديد في وقت يشهد فيه العالم العديد من الأزمات العابرة للحدود التي تحتاج إلى التعاون والتنسيق بين دوله وقواه المختلفة لمواجهتها.

بدورها، برزت دولة الإمارات، كما هي عادتها، بوصفها «صوت الحكمة» الذي يعمل من أجل تأكيد الثوابت الدولية، ولا سيما تلك المتعلقة بضرورة حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، وإفساح المجال أمام جهود الوساطة للوصول إلى حلول سلمية للأزمة، مع تجنب الانزلاق لحالة الاستقطاب التي أفرزتها الحرب، حيث كررت الدولة تأكيدها باستمرار على تقديم دعمها الكامل لجهود الوساطة كافة الرامية إلى إنهاء هذا الصراع. وكانت رئاسة دولة الإمارات لمجلس الأمن الدولي خلال الشهر الماضي فرصة مهمة لدولة الإمارات وللعالم لتأكيد هذه الثوابت، حيث أدارت دولة الإمارات، بمسؤولية وحيادية تامة، أهم مؤسسة دولية معنية بالأمن والسلم الدوليين، في ظرف هو الأصعب والأدق منذ نهاية الحرب الباردة، وبصورة أكدت نجاح وتميز وريادة الدبلوماسية الإماراتية.

تميز الدبلوماسية الإماراتية برز واضحاً في تبنيها سياسة الحياد الإيجابي، والتي تركزت على التحرك في مسارين متوازيين، الأول، هو تبني مواقف غير منحازة لأي طرف أو فريق للحفاظ على مصداقيتها كوسيط نزيه ومقبول من الطرفين، ما يساعد على تحقيق هدف الدولة المتمثل في تشجيع جميع الأطراف لتبني خيار الدبلوماسية والتفاوض لتسوية الأزمة سياسياً، من جانب، والحفاظ على علاقات الدولة ومصالحها الوطنية من جانب آخر بما في ذلك الحفاظ على علاقات الدولة الوثيقة مع طرفي الصراع؛ روسيا، وأوكرانيا والدول الغربية، ولذا تبنت موقفاً محسوباً في دعم الحوار والحل السلمي لهذه الأزمة، وامتنعت عن التصويت لمصلحة أي قرارات مسيسة ضد روسيا في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، وتحفظت على دعوات واشنطن لزيادة إنتاج النفط، مؤكدة أن النفط الروسي مهم جداً للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية.

المسار الثاني، تمثل في تركيز الدولة على ضرورة وقف الأعمال العدائية وتدهور الأوضاع الإنسانية المتفاقمة للمدنيين وضمان توفير الحماية لهم، وضرورة العمل على تخفيف معاناة المدنيين تحت وطأة الصراع، وهو موقف يعكس أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية وهو إغاثة الملهوف، وتقديم الدعم الإنساني لكل الشعوب بصرف النظر عن أي اعتبارات.

ويتفق هذا النهج الذي تبنته الدبلوماسية الإماراتية تجاه الأزمة الأوكرانية مع مبدأين مهمين من المبادئ العشرة لوثيقة الخمسين التي تحدد توجهات الدولة في الخمسين عاماً المقبلة، وهما: المبدأ التاسع الذي يؤكد أن المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً، وأن هذه المساعدات لا ترتبط بدين أو عرق أو لون أو ثقافة، والمبدأ العاشر الذي يقرر أن الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات.

لقد نجحت الدبلوماسية الإماراتية على الدوام في التعامل بحكمة مع أصعب الأزمات وتمكنت من قيادة الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار والسلام، وإدارة الدولة لأزمة أوكرانيا بهذه الكفاءة والتميز تقدم نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الدبلوماسية المسؤولة.

 

 

* كاتبة إماراتية

Email