نوفوروسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن الأرض والتاريخ هما أبرز الدوافع للحرب والكراهية الحالية بين روسيا وأوكرانيا، فخطاب الرئيس فلاديمير بوتين للشعب الروسي في فبراير الماضي قبل الحرب كان مليئاً بالجغرافيا والتاريخ، وكان محور كلامه يقول إن غالبية الأراضي الأوكرانية الحالية وخاصة في الشرق والجنوب على البحر الأسود هي أراضٍ روسية منحها الاتحاد السوفييتي السابق لأوكرانيا، ولهذا ومنذ عام 2014 يتحدث الرئيس بوتين والروس عن «جمهورية نوفوروسيا»، كما أن إعادة تموضع القوات الروسية، والانسحاب من مناطق الوسط والشمال ومحيط كييف وتشيرنهييف، والتركيز على إقليم دونباس والمناطق الشرقية والجنوبية، يؤكد أن مسيرة العمليات تتجه نحو جمهورية «نوفوروسيا»، فما هي هذه الجمهورية؟ وهل يمكن أن تؤسس لسلام مستدام و«منطقة عازلة» بين روسيا وأوكرانيا؟.

تشير مسارات المعارك على الأرض إلى وجود توجه كبير لدى روسيا لتأسيس جمهورية «نوفوروسيا»، والتي تعني جمهورية روسيا الاتحادية الجديدة، والتي تتكون من اتحاد كونفدرالي بين جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا، بالإضافة إلى 5 مناطق رئيسية في الشرق والجنوب تصل حتى مدينة أوديسا في الجنوب الغربي للبلاد على البحر الأسود، وهي المناطق التي يراها القوميون الروس بأنها أراض روسية منذ عام 1764 عندما سيطرت عليها الملكة كاترينا، وأن الاتحاد السوفييتي سلم هذه الأراضي إلى أوكرانيا، لكن الحديث عن جمهورية «نوفوروسيا» تجدد منذ خروج الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا عام 2014 من السلطة على إثر التظاهرات التي اندلعت هناك، وأدت في نفس العام إلى اندلاع المعارك في دونباس، كما جرى عام 2014 استفتاء حول استقلال لوغانسك ودونيتسك عن أوكرانيا اعترف بهما الكرملين في فبراير الماضي فقط.

ويحقق هذا السيناريو لروسيا واجهة بحرية عريضة على المياه الدافئة وهو الحلم التاريخي لروسيا سواء القيصرية أو البلشفية، وتستهدف جمهورية «نوفوروسيا» تشكيل فيدرالية أو كونفدرالية تضم مزيدا من الأراضي الأوكرانية إلى إقليم دونباس من خاركييف شمالاً وحتى خيرسون وماريوبول وميكولاييف جنوباً مع السيطرة على قناة القرم، وتوصيل كل هذه الأراضي بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في مارس 2014، ويعتمد هذا السيناريو على أن روسيا سوف تنجح في السيطرة على كل إقليم دونباس وخاركييف وخيرسون وميليتوبول، وهو ما يساعدها للاتجاه في مسارين آخرين، الأول في الجنوب بتعزيز السيطرة على بحر أزوف وخليج كيرتش، ثم السيطرة على مدينة أوديسا جنوب غرب البلاد، وكل هذه المساحة ستوفر لروسيا فصل شرق أوكرانيا بالكامل عن غربها، فالتصور الروسي يقول دائماً إن القوميين الأوكرانيين يتركزون في الغرب، كما أن هذا السيناريو سيحرم أوكرانيا من الواجهة البحرية التي يأتي منها الدعم الغربي، حيث تحيط أساطيل حلف الأطلسي الموجودة في بلغاريا ورومانيا وتركيا بأسطول البحر الأسود الروسي، كما يحول مشروع «جمهورية نوفوروسيا» أوكرانيا إلى دولة حبيسة، ناهيك أن هذا السيناريو يحقق لموسكو تواصلاً بين الأراضي الروسية وجمهورية ترانسنيستريا التي انفصلت عن مولدوفا عام 1992 وتتحدث الروسية وتسعى منذ 30 عاماً للانضمام للاتحاد الروسي.

لكن بدون أن يكون هناك اتفاق بين الطرفين على شروط وقف الحرب، لا يمكن ضمان واستدامة سيطرة روسيا على «نوفوروسيا»، ففي ظل الدعم الغربي غير المسبوق لأوكرانيا، وتهديد الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي ببدء حرب عصابات في المناطق التي خسرها الجيش الأوكراني سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار في تلك المنطقة، وهو ما يقول إن «المقاربة الصحيحة» لوقف الحرب في أوكرانيا يجب أن تبدأ وتنتهي على طاولة المفاوضات.

Email