«حكايات أهل الفن»

قصة إفلاس «حسب الله السادس عشر»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكوميديان المصري من أصل لبناني عبدالسلام النابلسي أشهر من نار على علم، حيث قدم للسينما المصرية واللبنانية نحو 146 عملاً منها ستة أفلام قام فيها بدور البطولة. المثير في حكايته أنه جاء إلى مصر في عام 1919 ليلتحق بالأزهر كي يصبح قاضياً شرعياً مثل جده الذي تولى القضاء في منطقة عكار بشمال لبنان ومدينة نابلس الفلسطينية، لكن حبه للفن واختلاطه في مصر بالفنانين جعله ينصرف عن الدراسة في الأزهر ويتوجه إلى التمثيل المسرحي، الأمر الذي أغضب عائلته في لبنان وجعلها تقطع عنه الدعم المادي، وهو ما اضطره للعمل لفترة كاتباً صحفياً في مجلتي «اللطائف المصورة» و«مصر الجديدة»، وناقداً سينمائياً في صحيفة الأهرام.

وبعد دخوله السينما (حيث جسد أدوار الشر والفتى المستهتر في مرحلته الأولى، ثم أدوار صديق البطل الطيب والمرح في مرحلته الثانية، ثم أدوار البطولة في مرحلته الثالثة)، توقف عن الكتابة طويلاً إلى أن عاد إليها في الستينات حينما اضطربت أحواله المادية، وذلك عبر كتابة لوحات شعرية عن حياة زملائه الفنانين لصالح مجلة «الشبكة» اللبنانية. وعليه فإن النابلسي، الذي أطلق عليه يوسف وهبي لقب «الكونت حسب الله السادس عشر»، هو ممثل ومنتج وكاتب وناقد وشاعر.

اختط الرجل لنفسه أسلوباً كوميدياً خاصاً في التمثيل قائماً على الادعاء والفشخرة والعنجهية والتصرف بطريقة أرستقراطية حتى في حالات الفقر والضعف والحاجة، والتصقت باسمه مجموعة من الأفيهات مثل: «يا حفيظ يا مغيث»، و«صنم بجم حجر»، و«دكتور دكتاتور»، و«يا أيتها السماء صبي غضبك على الأغبياء»، و«حتجوزها وأنا مغمض العينين مسدود الأنف والأذن والحنجرة»، وغيرها..

الأمر المثير الآخر في حكايته أنه حينما بدأت أدوار البطولة تتهافت عليه في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، دخل في معركة مع مصلحة الضرائب المصرية التي طالبته في عام 1961 بمبلغ 13 ألف جنيه الذي كان وقتها مبلغاً كبيراً. وقد حاول النابلسي أن يوسط الأديب يوسف السباعي والسيدة أم كلثوم لتخفيض المبلغ لكن دون جدوى، فقامت الحكومة المصرية بالحجز على منقولات شقته المستأجرة بحي الزمالك. أما هو فما كان منه إلا أن حوّل مدخراته إلى مجوهرات وهرّبها داخل لعبة مع طفلة المطربة نجاح سلام إلى لبنان. وكان ذلك مقدمة لمغادرته القاهرة نهائياً إلى بيروت، حيث أنشأ هناك «شركة الفنون المتحدة للأفلام»، وتزوج في سن الرابعة والستين من اللبنانية «جورجيت سبات» التي كانت مغرمة به وبفنه، متراجعاً بذلك عن مقولته: «لم تخلق بعد المرأة التي تستحق أن يتزوجها عبدالسلام النابلسي». وفي بيروت أيضاً ودع كل أمواله ومدخراته في حساب ببنك أنترا الذي أشهر إفلاسه عام 1966. ويعتقد أن هذه الواقعة معطوفاً على بعده عن مصر ضاعفت من مرض القلب الذي كان يخفيه عن الوسط الفني وأصدقائه، كي لا يتوقف المنتجون عن طلبه للتمثيل، فينقطع مورد رزقه الوحيد.

في عام 1968 سافر مع فريد شوقي وصباح إلى تونس لتصوير مشاهد فيلم «أهلاً بالحب» للمخرج محمد سلمان، لكنه عاد مرهقاً، وبعدها بأسبوعين دعا مجموعة من أصدقائه الفنانين وزوجاتهم إلى عشاء في شقته بعمارة يعقوبيان في الروشة، وأثناء العشاء شعر بآلام في صدره فتم نقله على عجل بسيارة إسعاف إلى مستشفى البربير، حيث فارق الحياة وهو على أعتاب باب المستشفى. وقد تكفل أقرب أصدقائه، فريد الأطرش، بنفقات جنازته.

من الطرائف الكثيرة التي رويت عنه أنه حينما سمع صوته مدمجاً في أغنية «ضحك ولعب وجد وحب» التي غناها عبدالحليم حافظ برفقة النابلسي في فيلم «يوم من عمري» طالب محمد عبدالوهاب صاحب شركة «صوت الفن» التي أصدرت الأغنية بحقوقه المادية، فرد عليه عبدالوهاب أن صوته النشاز تسبب في خسائر كبيرة لشركته، مطالباً إياه بدفع تعويض مالي.

Email