سردية متحف المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بافتتاح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «متحف المستقبل» تكون الإمارات قد فعلت شيئين مهمين، الأول: أنها أعطت دفعة معنوية مضاعفة للجهود الدولية في التنقيب عن حياة أفضل للبشرية في العالم. أما الشيء الآخر، فإنها أحدثت أصداء عالمية تتماشى مع خطتها في استشراف المستقبل، وبينت حقيقة عملها الجاد في تدشين المبادرات التي تخدم الإنسان.

ففي ذروة انشغال الجميع بتداعيات التجاذبات السياسية والعسكرية بين الغرب وروسيا حول احتمالات غزو أوكرانيا وغيرها من التشنجات الأمنية والسياسية، استيقظ العالم على خبر في دولة لا تفكر إلا في البحث عن المستقبل وصناعته، وأن دورها التنموي يزداد مع مرور الوقت، وأنها رغم كل ما حققته من إنجازات ما زالت تؤمن بأن هناك ما هو جديد يمكن أن تفعله لخدمة الإنسان الذي هو في سلم أولوياتها. كما تؤمن أن الماضي وإن كان قاسياً وشديد الصعوبة فهو دافع مهم، بل وملهم لخلق فرص جديدة في الحياة.

كان من الممكن أن يمر حدث افتتاح «متحف المستقبل» عليَّ كما مر على الكثيرين باعتباره معلماً سياحياً جديداً من ضمن ما تقوم به دولة الإمارات في ناحية استمرار سياسة إبهار العالم في المجالات التنموية كافة، غير أنني أوقفتني تسمية «المتحف»، فالكل يدرك ويعرف أو على الأقل الدارج بين الناس بمن فيهم المثقفون أن (المتحف) هو ما يتعلق بالماضي اشتقاقاً من التحف، وليس له علاقة بالمستقبل، إلا أنه هنا تغير المسمى كما تغير دور المتحف أيضاً، كونه ينقب عن المستقبل، فهنا بدت فكرة التسمية أكثر غنى من حيث المعرفة، وبالتالي ينبغي أن يلقى الاهتمام، خاصة وأن ملامحه الخارجية توحي بالمستقبل الجميل، وتحمل عبارات محفزة، وينبغي كذلك أن يجد الاستحسان، لأن الرسالة التي يحملها المتحف تحمل معنى «المقولة الخالدة» لمؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل».

وعليه فإنه من السهل جداً وضع مقارنة إيجابية بين سردية الميراث الثقافي والتاريخي لدولة الإمارات، وبين ما تفعله منذ تأسيس اتحادها إلى اليوم، فالزمانان يشتركان في الرغبة لخدمة الإنسان، أما إذا أردنا الحديث عن الاختلاف والتباين في المستقبل الذي تستشرفه، فيكمن في أن لدى الإمارات برنامجاً طموحاً في زيادة وتيرة العمل لاختصار المسافات وتحقيق تقدم سريع، لأن التحديات أكبر وأعمق.

مخاطبة المستقبل والتركيز عليه ليس نكراناً أو تقليلاً من أهمية التاريخ وماضي الشعوب في كل العالم، وإنما هو سلسلة تراكمية من المعرفة لإثراء الحياة الإنسانية والتفكير بالواقع لنعيش اللحظة، أو بالمعنى الأصح الحاضر، لأن حركة التاريخ متغيرة وليست ثابتة، أما البقاء ولو فكرياً في الماضي دون تحريك التفكير في صناعة المستقبل ليس إلا التذرع بالفشل وعدم القدرة على الانتقال من المنطقة التي نعيش فيها، فكل الشعوب في العالم لديها ماضٍ تفتخر به، لكنهم يتحركون لأنهم يفكرون في حياة أفضل لهم ولغيرهم.

رسمت دولة الإمارات لنفسها منذ البداية خطاً تنموياً مختلفاً عن الآخرين، وبرعت في ذلك بطريقة لفتت الجميع، بل إنها استضافت شعوب العالم ليشاركوها صناعة قصصها بتحيز كامل للنجاح، لأنها لا تعرف غيره. وعلى الرغم من محافظتها على تاريخها الاجتماعي والثقافي بما يخلق لها دافعاً وحافزاً نحو العمل الجاد، فإنها أبقت لنفسها حيزاً كبيراً ومميزاً في استشراف المستقبل، فهي اليوم الأكثر اهتماماً به وإنتاجاً لأفكاره، لأن عجلة الزمن تتحرك نحو الأمام.

كاتب إماراتي*

Email