مشجعون وليسوا محللين !!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تغطية وسائل الإعلام العربية للأزمة الروسية الأوكرانية لا بأس بها فيما يتعلق بالمتابعة الخبرية، لكن فيما يتعلق بالتحليل فهي فقيرة جداً جداً إلا ما ندر.

التدفق الخبري ممتاز، حتى لو كان معتمداً في الأساس على وكالات الأنباء الغربية الكبرى، وأحياناً بعض وسائل الإعلام الروسية. وهناك قلة من وسائل الإعلام تملك مراسلين محترفين في ساحة الصراع، وبالتالي تنقل التطورات الميدانية أولاً بأول.

لكن المشكلة الكبرى في التحليل وباستثناءات قليلة فإن النقاشات والتحليلات والمتابعة العربية تشبه إلى حد كبير، استديوهات التحليل الكروية العربية، خصوصاً حينما تكون المباراة بين فريقين كبيرين في هذا البلد العربي أو ذاك.

وإذا كان الجمهور العربي يتحمس لفريقه بالحق وبالباطل خلال المباراة وبعدها، ويتصرف كمشجع، فإن العديد ممن استمعت إليهم يتحدثون في وسائل الإعلام العربية تصرفوا كمشجعين وليس كمحللين. وبالطبع هناك فارق كبير جداً بين المشجع والمحلل.

المشجع متحمس ومتعصب لا يعترف أساساً بأن هناك فريقاً غير فريقه، يسانده بالحق وبالباطل، ولا يقبل إلا فوز فريقه بكل الطرق والوسائل حتى لو كانت غير أخلاقية.

نعذر المشجع حينما يتعصب لفريقه رغم أننا لا نقبل بالتعصب، ونعذر المشجع حينما يأتي بتصرفات غريبة، ونعذره حينما لا يرى إلا وجهة نظر واحدة.

وبالمثل فإن المواطن الروسي أو الأوكراني من الطبيعي أن يتحمس ويتعصب لوجهة نظر بلده، ويتمنى انتصارها في كل الأحوال. لكن ما الذي يجعل بعض المحللين العرب يتصرفون مثل مشجعي الكرة المتعصبين وهم يناقشون صراعاً دولياً محتدماً ممكن أن يتطور - لا قدر الله - إلى حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر ؟!!.

نفهم أن يكون هذا المحلل أو ذاك منحازاً لروسيا أو أوكرانيا ويقول ذلك للمشاهدين والقراء، وبالتالي سيفهم هؤلاء أن هذه وجهة نظر مشجع وليس محللاً، لكن أن يحاول فرض وجهة نظره المنحازة باعتبارها هي الوجهة الموضوعية فهذا غش وخداع للمشاهدين والجماهير العربية. ما ينطبق على هذه النوعية من المحللين ينطبق على بعض الكتاب والمفكرين.

معظم هؤلاء يتحدثون عن أمنياتهم وتمنياتهم بفوز هذا الطرف أو ذاك، وهي مرة أخرى سلوكيات مشجعين وليس محللين.

المفترض في المحلل أن يتسم بالموضوعية، ثم يكون مطلعاً بحق وبعمق على الصراع وطبيعته وتاريخه والعوامل التي تؤثر فيه، والزعماء الذين يلعبون دوراً فيه، وطبيعة دور القوى الكبرى، ودول الجوار في هذا الصراع وهل كان لبعضها مثلاً دور في إشعال الصراع أو نصب فخ لهذا الطرف أو ذاك.

يفترض في المحلل أيضاً أن يخبر المشاهدين بكافة وجهات النظر، وبعدها يمكنه أن يقول إنه يؤيد هذه الوجهة دون غيرها لكن بعد أن يقدم للجمهور عرضاً وافياً وشاملاً للقضية.

الطريقة التي يتصرف بها بعض المحللين الذين يتصدون لمعالجة هذه الأزمة لها تداعيات خطيرة، لأنها ببساطة ستجعل من يستمع إليها ويتابعها يصاب بالسطحية أكثر مما هو سطحي، ولن يكون قادراً أبداً على تكوين وجهة نظر شاملة وكاملة وموضوعية، والنتيجة أنه سوف يتحول بصورة تدريجية إلى مشجع يفكر بعواطفه وليس بعقله، ولن يكون قادراً أبداً على التفكير بصورة نقدية متزنة.

وسائل الإعلام العربية خصوصاً الكبرى منها مطالبة بأن تفسح المجال لمحللين حقيقيين وليس هذه النوعية من المشجعين التي تدخل الاستوديو التحليلي وهي تعتقد أن الطرف الذي تشجعه هو الذي يفترض أن يفوز بغض النظر عن مهاراته وإمكانياته، بل وتقول للجمهور إنه فائز لا محالة.

يا أيها المحللون رفقاً بالجماهير العربية التي لا ينقصها أن تتحولوا إلى مشجعين!

Email