الأزمة الأوكرانية تصنع «ألمانيا الجديدة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعيش ألمانيا «استدارة سياسية وأمنية» كاملة سوف تغير ليس فقط شكل وجوهر ألمانيا من الداخل، بل ستقود «المقاربة الجديدة» التي يتبناها التحالف الثلاثي بقيادة المستشار أولاف شولتس إلى مسارات استراتيجية جديدة على الساحتين الأوروبية والعالمية.

فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية سوف تزيد برلين إنفاقها العسكري والدفاعي إلى أكثر من 2% من الناتج القومي بداية من ميزانية 2022 بعد أن قررت الحكومة الألمانية إضافة 100 مليار يورو إلى النفقات الدفاعية، وتأكيد الساسة الألمان على حاجة ألمانيا إلى مزيد من الإنفاق العسكري على الجيش الألماني، فما هي الدوافع وراء هذا «التحول التاريخي» في السياسة الألمانية؟ وكيف يغير تسليح الجيش الألماني «المعادلات المستقرة» على الساحتين الأوروبية والعالمية؟.

الخطاب الذي ألقاه المستشار الألماني، الذي ينتمي للحزب الاجتماعي الاشتراكي، في البوندستاغ «البرلمان الألماني» الأحد الماضي يرسم «خريطة طريق» جديدة للرؤية الألمانية المستقبلية تقوم على مخاوف أمنية تأتي من روسيا، وفق رؤية شولتس الذي يرى أن الجيش الألماني، الذي تأسس في 12 نوفمبر 1955 وجرى تحديثه بعد الوحدة الألمانية في 3 أكتوبر 1990، يحتاج لمزيد من السلاح والعتاد والجنود، حيث لا يتعدى حالياً عدد جنود الخدمة في الجيش الألماني 200 ألف جندي، وبهذا هو جيش قريب من عدد الجيش الأوكراني الذي يتراوح عدد منتسبيه نحو 250 ألف جندي.

رفض ومقاومة

لكن الأكثر إثارة هو أن ألمانيا منذ قمة حلف الشمال الأطلسي «الناتو» في ويلز عام 2014 كانت ترفض وتقاوم زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج القومي، وتسبب هذا الموقف في خلاف كبير بين المستشارة السابقة أنجيلا ميركل مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان يرفض أن تنفق الولايات المتحدة 3.7 % من الناتج القومي الأمريكي على ميزانية الدفاع، والتي وصلت إلى 770 مليار دولار في ميزانية 2022 .

بينما شركاؤها في «الناتو»، وخاصة الدول الغنية مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا لم تصل أبداً إلى «عتبة الإنفاق المالي» التي وضعها حلف الناتو وهي الوصول إلى إنفاق جماعي بـ 2% من الدخل القومي قبل 2022، وليس هذا كل شيء، فالائتلاف الألماني الحاكم الذي يضم الحزب الاجتماعي الاشتراكي الذي ينتمي إليه المستشار شولتس.

وحزب الخضر، والحزب الليبرالي قرر إرسال قوات ألمانية إلى الجناح الشرقي في حلف الناتو مثل دول بحر البلطيق الثلاث «أستونيا ولاتفيا وليتوانيا»، بالإضافة إلى المجر ورومانيا وبلغاريا، وفي خطوة سيسجلها التاريخ الألماني المعاصر قررت ألمانيا إرسال سلاح وذخيرة إلى أوكرانيا، ناهيك عن إغلاق المجال الجوي الألماني في وجه الطائرات الروسية، وتعليق العمل بخط نقل الغاز الروسي الجديد إلى ألمانيا «نورد ستريم 2» .

والذي كان مقرراً أن ينقل 55 مليار متر مكعب سنوياً إلى ألمانيا بتكلفة 10 مليار يورو، وبعد تردد لم يدم طويلاً قررت ألمانيا أيضاً عزل روسيا عن «نظام السويفت» الذي يربط بين البنوك الألمانية والروسية، وهي الخطوة الأكثر تأثيراً في جهود الغرب لعزل روسيا عن النظام المالي العالمي، لأن ألمانيا هي أكبر الشركاء التجاريين في أوروبا لروسيا بمعدل وصل إلى 41 مليار دولار عام 2018.

ظلت الولايات المتحدة ومعها فرنسا وبريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي تحافظ على الأمن والاستقرار في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وينتشر حالياً 34500 جندي أمريكي في 21 قاعدة عسكرية ألمانية، لكن القرار الجديد بتعزيز قدرات الجيش الألماني الذي وصل لنحو 12 مليون جندي في الحرب العالمية الثانية سوف يطرح «معادلة مختلفة» حول مستقبل الأمن في أوروبا التي سوف تضم جيشاً ألمانياً لأول مرة بعدد وعتاد لم يعرفه الأوروبيون طوال 75 عاماً.

Email