ودّعت اليابان مؤخراً أحد أكثر سياسييها إثارة للجدل بسبب مواقفه الشعبوية، بحيث لم يبق له صديق سوى أولئك المنتمين للجماعات القومية المحافظة، وهو الكاتب والروائي والمخرج «شينتاروا إيشيهارا».

الذي فاز بمنصب «عمدة طوكيو» للمرة الأولى عام 1999، ثم أعيد انتخابه بعد ذلك مرتين بسبب ما نفذه من خدمات وإصلاحات للعاصمة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 13 مليون نسمة، ويصل اقتصادها إلى 2.3 مليار دولار، قبل أن يستقيل من منصبه فجأة عام 2012، ويقرر اعتزال الحياة السياسية في ديسمبر 2014.

اختلف الناس حوله دوماً، لكن الكثيرين، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق «شينزو أبي»، أشادوا بجرأته في قول ما يؤمن به دون خوف أو دبلوماسية، إذ ظل يردد دوماً:

«سأقول ما أريد وأفعل ما أريد إلى يوم مماتي، ولا يهمني إنْ كرهني الناس». وقد تجلى تباين الموقف منه في الصحافة اليابانية بعد الإعلان عن وفاته، فصحيفة واسعة الانتشار مثل «يوميوري شيمبون» اليمينية المحافظة، تسترت على خطابه العدواني، وتعاملت مع رحيله على أنه «مأساة وطنية».

أما بقية الصحف، فقد امتلأت بمقالات حول حياته الأدبية وصراحته وجرأته. ورغم أن من فضائل الشعب الياباني ألا يتكلم بالسوء عن الموتى، إلا أن البعض خالف القاعدة، بحجة أن إيشيهارا نفسه خالفها، وكان بين هؤلاء كاتب المقالات الشهير «كاوري شوجي»، الذي لخص موقفه منه في جملة: «كان الرجل يمينياً نخبوياً وعنصرياً وكارهاً للنساء»، في إشارة إلى دعوات إيشيهارا التمييزية العلنية ضد النساء العاقرات والمعاقين والفئات الضعيفة غير المنتجة والصينيين والكوريين.

في عام 1989 وضع بالاشتراك مع رئيس شركة سوني «أكيو موريتا» كتاب «اليابان التي يمكن أن تقول لا»، الذي ظل لسنوات من أكثر الكتب مبيعاً.

في هذا الكتاب دعا مواطنيه إلى مقاومة الغطرسة الأمريكية، متهما الولايات المتحدة بالعنصرية في قوله: «الولايات المتحدة قصفت العديد من المدن الألمانية وقتلت الآلاف من المدنيين لكنها لم تستخدم القنابل الذرية على الألمان. لقد أسقطتها علينا فقط لأننا يابانيون». وقد عبّر في مناسبات عدة عن أفكار ومواقف مماثلة.

ففي كلمة له في نيويورك عام 2007 قال إن المدى الذي ستذهب إليه واشنطن في الدفاع عن اليابان أمر مشكوك فيه، وبالتالي فليس أمام اليابان سوى امتلاك الأسلحة النووية الرادعة لتهديدات الصين وكوريا الشمالية حتى لو رفضت واشنطن. وفي مناسبة أخرى، انتقد بشدة سياسات اليابان الخارجية والدفاعية ووصفها بـ«المعيبة»، لأنها تـُخضع مصالح اليابان الأمنية لاستراتيجية أمريكا العالمية.

كما سلّط الضوء على الحاجة إلى بناء العلاقات اليابانية الأمريكية على قدم المساواة، قائلاً: «يجب على اليابانيين والأمريكيين إدراك أن اليابان لم تكن أبداً دولة مثل بورتوريكو».

لم يكتف إيشيهارا بانتقاد الأمريكيين، وانما أشهر سيفه أيضاً في وجه الصينيين، متسبباً في توتر علاقات بلاده مع بكين.

فقال ذات مرة إنه إذا ما صار رئيساً للحكومة فإنه سيشن حرباً ضد الصين. وفي أبريل 2012، أعلن أن بلدية طوكيو ستحمي جزر سينكاكو من الصين عبر شرائها من ملاكها اليابانيين، وسوف تحولها الى أحواض لبناء السفن. وقتها خافت الحكومة اليابانية من رد فعل مبالغ من قبل الصين التي تطالب بالجزر وتسميها «دياويو»، فقررت تأميمها، ليشتعل التوتر بين الدولتين.

وحينما رحلت الحكومة اليابانية في أغسطس 2012، ناشطين صينيين دون محاكمة بعد وصولهم إلى الجزر المتنازع ورميهم سفينة دورية يابانية بالحجارة، ندد بقرار الحكومة، ووصف موقفها بالمثير للشفقة، مضيفاً: «الأمة غير القادرة على تطبيق قوانينها فوق أراضيها ليست أمة».

وبمثل ما أثار الرجل الصينيين، فقد أثار الكوريين أيضاً بفتحه ملفات الماضي الدامي. إذ أنكر قيام الجيش الإمبراطوري بارتكاب فظائع في زمن الحروب.

وبالتالي رفض دبلوماسية الاعتذار، ورفض معه الاعتراف بقضية «نساء المتعة والعمال السخرة» التي توتر العلاقات بين طوكيو وسيئول. وعلاوة على ذلك سجل عنه قوله: «إن الكوريين اختاروا ضم اليابان لبلدهم في عام 1910، فكان الضم خطأ أسلافهم. أما حكم اليابان لبلادهم فلئن كان في شكل استعمار، إلا أنه كان متقدماً وإنسانياً».

ومن مواقف إيشيهارا الأخرى المثيرة للجدل: تأليه القومية اليابانية، وتبجيل المشاريع الإمبريالية اليابانية في آسيا قبل عام 1945، ودعوته إلى إلغاء «الدستور السلمي» لليابان باعتباره دستوراً وضعه وفرضه الأجنبي، ورفضه تغيير مضامين كتب التاريخ المدرسية أو وقف زيارات المسؤولين لمقابر ياسوكوني التي تضم رفات جنود اليابان الذين حاربوا دفاعاً عن الإمبراطور والبلاد.

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين