أوكرانيا.. لا بديل عن الحلّ الدبلوماسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُجمعُ المراقبون بأنّ الأزمة الأوكرانية الروسية ستكون لها تداعيات خطيرة وكبيرة على الاستقرار والأمن في العالم، وأنه سيكون هناك ما قبل هذه الأزمة وما بعدها خصوصاً على مستوى جيوسياسي وعلى مستوى التحالفات في العلاقات الدولية.

كلّ الأطراف في العالم الغربي تتابع وتعاين وهي واعية ومتأكّدة منذ أشهر وحتى سنوات أنّ الوضع يتأزّم ويتعفّن ويتّجه رأساً إلى الانفجار، ولكنّ هذه الأطراف لم تفعل أيّ شيء من أجل نزع فتيل حرب اكتملت كلّ أركانها ومسبباتها.

كأنّ هناك أيادي «خفية» تدفع دفعاً نحو إشعال فتيل حرب لأسباب تختلف من جهة لأخرى، وقد تكون لتجاوز أزمات داخلية اقتصادية أو سياسية أو هي لرغبة في إعادة رسم خارطة تحالفات جديدة على مستوى العلاقات الدولية، إيماناً منهم - ربّما - بأنّ المنظومة الدولية المنبثقة عن الحرب العالمية الثانية انتهى عهدها ودورها وقد حان الوقت لتغييرها، ومعلوم أنّ تغيير المنظومات الدولية لا يتمّ - مع الأسف - بالتفاوض وإنّما يكون دوماً بعد حروب مدّمرة.

وبقطع النظر عن المسألة المبدئية التي لا نقاش فيها وهي رفض المسّ من الوحدة الترابية للدول واحترام استقلالها، فإنّ تفهّم المخاوف الأمنية للدول الأخرى وطمأنتها هو شرط أساسي للاستقرار والسلم الدوليين.

وبطبيعة الحال فإنّ روسيا ترى في توسّع الحلف الأطلسي شرقاً تهديداً لأمنها القومي وفي المقابل فإنّ أوكرانيا تخشى من التعدّي على استقلالها ووحدة ترابها الوطني، والمطلوب إذن هو محاولة تبديد مخاوف الطرفين من خلال احترام الآليات التي يوفّرها القانون والمعاهدات الدوليان.

الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أكّد عقب لقائه الجمعة الماضي مع الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون، أن «لا حلّ خارج إطار الدبلوماسية» وبأنّ «البديل عن الحلّ السلمي الدبلوماسي هو الحرب التي وجب تفاديها بكلّ الطرق».

ساركوزي أكّد كذلك «أنّ الأُطُرَ الحالية كقمّة الدول السبع وقمّة العشرين والحلف الأطلسي وحتّى منظمة الأمم المتّحدة، فشلت في تحقيق الأمن والسلم الدوليين وأنّ العالم يحتاج منّا خيالاً أكبر من أجل التّأسيس لدبلوماسية جديدة».

ولكنّ السؤال الذي يُطرح بإلحاح هو:

هل أنّ تطوّرات الأزمة الروسية الأوكرانية ميدانياً وردود الفعل الإقليمية والدولية التي صاحبتها تركت مكاناً للدبلوماسية أم أنّ «الفأس وقعت في الرأس» كما يُقال؟!

إنّ مواقف الأطراف ترجّح فرضية الصدام أكثر ممّا هي تؤسّس للأمن والسلام.

متحدثة باسم الحكومة الروسية قالت إنّ بلادها «تخشى أن تكون العلاقة مع الغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة» والقوات الروسية توسّع دائرة توغّلها في التراب الأوكراني.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي يدعو إلى التصدّي إلى القوات الروسية ويحثّ الغرب على مزيد من الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويصرّ في ذات الوقت على مطلب الانضمام إلى حلف الناتو.

أمريكا والغرب اختاروا نهج العقوبات الاقتصادية وشتّى أنواع المقاطعات الأخرى وطالب بعضها بوضع اليد بالكامل على مدّخرات البنك المركزي الروسي في البنوك الغربية ووضع اليد على ممتلكات الرئيس الروسي ومحيطه الضيّق وبالخصوص المضيّ قدماً في إخراج روسيا من منظومة «سويفت» للتبادل المالي بما يعطّل عمليات التصدير الروسية ويخنق اقتصادها.

وقد تعالت بعض الأصوات في عدد من الدول الغربية تطالب بعدم حشر الرئيس الروسي في الزاوية لأنّ هذا من شأنه أن يدفعه إلى تحالفات مع أطراف دولية أخرى قد لا تخدم على المدى المتوسّط والبعيد المصالح الاستراتيجية الغربية أو أنّ روسيا تجد نفسها مضطرّة إلى سلك طرق قصوى لن تكون بأي حال في خدمة الأمن والسلم الدوليين.

إنّ الأزمة الروسية الأوكرانية أبعد ما تكون عن مجرّد أزمة ثنائية وقد يكون من السذاجة التعاطي معها على أنّها كذلك، وإنّ عودة الحديث عن محاولة «العالم الحرّ» إنقاذ الديمقراطية في أوكرانيا هو حقّ قد يُراد به باطل وقد يؤدّي بالعالم إلى الانتقال من حالة يمكن تجاوزها بالطرق السلمية والدبلوماسية إلى وضع قد يفلت عن كلّ سيطرة.

إنّ العالم الآن هو في مرحلة نزاع دولي مقدور على حلّه ولكنّه قد يتحوّل في أيّ لحظة ولأيّ سبب من الأسباب إلى حرب كونية لا قدّر الله.

 

* كاتب تونسي

Email