الإمارات و«العبور الآمن» للطاقة الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قاد التوجه العالمي نحو الطاقة الجديدة والمتجددة البعض للدعوة لعدم الاستثمار في النفط والغاز، وهو ما ثبت أنه خطأ إستراتيجي أدى لما نراه اليوم من ضعف العرض وزيادة أسعار برميل النفط نحو 94 دولاراً، وهو مستوى لم يبلغه منذ 2014، كما بلغت أسعار الغاز في أوروبا ما يقرب من 900 دولار لكل ألف متر مكعب وهنا يجب على العالم دراسة الاستراتيجية الإماراتية التي تقوم على مستويين، الأول: الاستمرار في توفير النفط والغاز مع العمل على تنقيته أكثر من الانبعاثات الكربونية عبر تكنولوجيا «التقاط الكربون»، والثاني من خلال التوسع في مشروعات الطاقة الجديدة وصولاً إلى الحياد الكربوني عام 2050.

بعد أن تجاوز سعر برميل النفط 94 دولاراً لأول مرة منذ عام 2014، وبعد أن وصلت أسعار الغاز في أوروبا لأرقام قياسية بعد أن وصل سعر 1000 متر مكعب من الغاز لنحو 900 دولار بعد أن كان 350 دولاراً في يونيو الماضي، يتأكد للجميع أن الإمارات من أكثر دول العالم التي «تعي وتفهم بعمق» طبيعة التحولات والتحديات التي تتعلق بمستقبل الطاقة، وكيف يمكن تحقيق «العبور الآمن» في المرحلة الانتقالية الحالية من الاعتماد على الطاقة التي تأتي من الفحم والبترول وغيرها من مصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية العالية إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، وهذا الفهم العميق هو الذي يؤسس «لمقاربة دولية متوازنة» تجنب العالم حدوث أزمات في إمدادات الطاقة، وفي ذات الوقت لا تقلل من العزيمة والإرادة الدولية في التحول نحو المنظومة المستقبلية للطاقة. فالإمارات من أكثر الدول التي تؤمن بالتحول نحو الطاقة الخضراء، وسوف تسبق الجميع في المنطقة العربية والشرق الأوسط وغرب آسيا في الوصول للحياد الكربوني عام 2050.

 لكن في الوقت ذاته تقول الإمارات إن العالم لا يمكن أن «يتخلى فجأة» عن المنظومة الحالية من الطاقة، وأن الانتقال للمنظومة الجديدة لا بد أن يتم بشكل محسوب ودقيق ومتوازن حتى يتجنب العالم النقص في الإمدادات أو الارتفاع القياسي للأسعار، وهذا ما لفت إليه بقوة معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات لشؤون التغير المناخي، في حواره مع المجلس الأطلسي عندما قال «إذا أردنا النجاح في مسار التحول نحو منظومة الطاقة المستقبلية، لا يمكننا التخلي بشكل فوري عن المنظومة الحالية.. وإنما نحتاج إلى رفع كفاءة منظومة الطاقة الحالية وخفض انبعاثاتها، والاستعانة بأصحاب الخبرة في قطاعات الطاقة المختلفة لإيجاد الحلول المناخية التي نبحث عنها».

الرؤية الإماراتية تقوم على دراسة حقيقة لطبيعة الاحتياجات من الطاقة في المدى القريب والمتوسط، لأن الدعوات لوقف الاستثمار أو منع التمويل عن منظومة الطاقة الحالية يمكن أن يتسبب في نقص حاد في الإمدادات وارتفاع غير مسبوق في الأسعار بما يؤثر سلبياً على الجهد العالمي لتحقيق مزيد من التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا، لذلك كان قرار الإمارات بالاستمرار في التوسع في إنتاج النفط حتى عام 2030 بحيث يصبح إنتاج الإمارات من النفط 5 ملايين برميل في اليوم بدلاً من 4 ملايين في الوقت الحالي مع السعي والعمل على أمرين، الأول هو تقليل الانبعاثات الكربونية باستخدام تقنيات جديدة في الإنتاج، والثاني تخفيض الأسعار، ولتحقيق هذه الأهداف سوف تستثمر الإمارات أكثر في الفترة القادمة في توفير النفط والغاز، فعلى سبيل المثال أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» خلال اجتماعها في الأول من ديسمبر الماضي خطة استثمارية بـ127 مليار دولار للخمس سنوات المقبلة من العام الجاري وحتى بداية 2027 لتنفيذ خططها لزيادة سعتها الإنتاجية من النفط الخام، وتطوير وتوسعة محفظة أعمالها في مجال التكرير، إضافة إلى تحقيق أهدافها الطموحة في مجال إنتاج الوقود منخفض الكربون والطاقة النظيفة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية «وام».

ويدعم الرؤية الإماراتية ما قاله الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير النفط والطاقة السعودي في 13 ديسمبر الماضي عندما لفت إلى أن العالم سوف يحتاج لمزيد من الاستثمارات في النفط، لأن الطلب على النفط سوف يشكل 28% من الطلب على الطاقة حتى عام 2045 مقارنة مع 30% في 2020، لكن الكمية التي تشكلها 28% من الطلب على الطاقة عام 2045 سوف تكون أكبر بكثير من الكمية التي تمثلها 30% عام 2020، وهنا تكمن خطورة الدعوة لتقليص الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والحفر، لأن من شأن هذا أن يخفض إنتاج النفط بمقدار 30 مليون برميل بحلول 2030، وهو ما يعني أن العالم مقبل على أزمة طاقة في حال لم يكن هناك زيادة في الإنفاق الاستثماري للمحافظة على الطاقة الإنتاجية وزيادتها، بحسب ما نقلت رويترز عن الأمير عبد العزيز بن سلمان.

وليس هذا كل شيء، فمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» قالت في 13 سبتمبر الماضي إن الطلب العالمي على النفط سوف ينمو خلال السنوات القادمة، وإن الطلب سيرتفع 1.7 مليون برميل يومياً في 2023 وسوف يصل إلى 101.6 مليون برميل يومياً، كما أن الطلب العالمي على النفط سوف يزيد لنحو 106.6 ملايين برميل يومياً في عام 2030، وفق تقرير آفاق النفط العالمي لعام 2021 الذي توقع أيضاً عودة النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع مما كان عليه عام 2019 قبل الجائحة.

المؤكد أن الحفاظ على الزخم والحماس العالمي للتحول نحو منظومة طاقة جديدة يبدأ وينتهي عند عدم وجود ارتدادات سلبية على الأسواق، وهذا هو هدف الرؤية الإماراتية العميقة والمتوازنة، والتي تهدف إلى الحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الجائحة، وفي نفس الوقت نجاح التحول التدريجي نحو الطاقة الخضراء.

Email