قبل 650 عاماً، وبينما كان شكل المستقبل وأدواته العلمية مجهولاً للعامة، كان اهتمام العالِم العربي ابن خلدون بالعناصر الزمنية الـ 3: الحاضر والماضي والمستقبل، تشغل مساحة ملحوظة في مجال تفكيره، فلا يكاد يصدر حكماً أو تقييماً تاريخياً أو اجتماعياً، إلا وبانت فيه تلك العناصر، فهو صاحب السبق الأول في وضع نظرية المستقبل، واصفاً إياه في مقدمته الشهيرة: إن المستقبل يتفاعل بدرجة كبيرة مع الحاضر، وهو قابل للتنبؤ على أسس علمية.
وهذه الملامح التي تحدث عنها ابن خلدون بعمقه الفكري ونظرته العلمية في العام 1377، نراها اليوم في مدينة دبي التي تسابق العصر والزمن، وكلما حققت تقدماً تذهلنا بآخر تؤكد من خلاله أن العرب لم يكونوا يوماً بعيدين عن المستقبل، بل هم يعيشون وينشغلون به منذ زمن طويل.
وهنا لعلنا نتساءل من منا لا يفكر في المستقبل؟ ومن منا لا يتحدث عنه؟، فالحياة ليست سوى مجموعة من التجارب التي يمر بها الإنسان، ومَن أكثر مِن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المشغول دائماً بالمستقبل محاولة في إفادة البشرية والاستثمار في هذا القطاع؟ وهكذا تحولت دبي إلى إحدى أهم مدن العالم في المستقبل، حيث أسهم تركيزها المستمر على المستقبل والابتكار والتقنية في تحويلها إلى أكبر مختبر في العالم لتجربة الأفكار الجديدة واستكشاف تحديات المستقبل وحلولها، وهي ذات الرؤية التي تقف اليوم وراء إعطاء الأمل والثقة بقدرة العرب على بلوغ المستقبل من خلال مشاريع طموحة هي الأولى على مستوى العالم، مثل ما هو الحال عليه في «متحف المستقبل»، الذي يرسم عبر تصميمه الفريد والمبتكر تصوراً جديداً ومغايراً تماماً لما سيكون عليه عالمنا بعد 50 عاماً من الآن، ويعكس طموحات دبي مدينة الأحلام.
عندما زار عالم الفيزياء العالمي ميتشيو كاكو، دبي في العام 2018 للمشاركة في القمة العالمية للحكومات، أكد خلال مداخلته تحت عنوان «التغير»، أننا نعيش في عالم جديد.. عندما نتخيله سنصنعه»، والمتحف من خلال مضمونه الاستشرافي كأحد المشاريع الأكثر تطوراً وطموحاً في العالم، ومن خلال تصميمه الإبداعي الفريد وهيكله الاستثنائي الملهم، يشبه إلى حد بعيد تلك المنصة التي تسمح للناس بالانطلاق برحلة عميقة في الخيال، واستكشاف عوالم جديدة، حيث يذهبون إلى حيث لم يذهب أي أحد من قبل، وهذا ليس ضرباً من ضروب الخيال العلمي، بل حقيقة يمكن التنبؤ بها كما وصفها ابن خلدون في نظريته عن المستقبل.
وهنا قد يتساءل البعض، هل بالفعل يمكن حدوث كل هذا في المستقبل، أم أنه ضرب من ضروب الخيال العلمي؟ في العام 1865 توقع الكاتب الفرنسي جول فيرن في روايته: «من الأرض إلى القمر»، الرحلات الفضائية التي أصبحت حقيقة بعد 100 عام فقط مع أول رحلة للبشرية إلى القمر في عام 1969، ومن المدهش للغاية أن تتقاطع وتتشابه رواية كتبت في ذلك الزمن بشكل وثيق مع الرحلة الفعلية التي انطلقت إلى ذلك الجرم السماوي بعد 100 عام، حيث ذكرت الرواية حينها موقع الإطلاق على أنه فلوريدا، وفي ذلك الوقت، لم يكن أحد قد فكر حتى في إنشاء مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا.
وهذا المستقبل الذي وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في واحدة من مقولاته الملهمة التي يحتفي بها المتحف بالخط العربي: «يجب علينا أن لا ننتظر المستقبل، بل نصنع المستقبل من اليوم»، وهنا يحق القول إن دبي لم تنتظر يوماً هذا المستقبل، بل هي تصنعه بشكل يومي ومستمر من خلال عشرات المشاريع التي تسابق بها الزمن، والتقنيات الثورية التي توظفها في خدمة البشرية ورفع جودة الحياة في العقود المقبلة.. دبي هي «إمبراطورية المستقبل».