«حكايات أهل الفن»

قصة شرفنطح.. فيلسوف الكوميديا الراقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من فناني الزمن الجميل ممن حفروا في ذاكرتنا صورهم، ولا تزال أعمالهم السينمائية تـستقطب الجمهور العاشق للفن الكوميدي الراقي، المرحوم محمد كامل المصري.. الفنان المصري الذي اعتاد بخفة دم نادرة وموهبة فذة أن يجسد شخصية الرجل البخيل والموظف اللئيم، ضئيل الجسم نحيف الوجه ذي النظرة الماكرة والأنف الكبير والشارب المهذب والنبرة المميزة والعبارات التهكمية الخاصة. فأسس لنفسه مدرسة مميزة في الفكاهة راحت تنافس مدرسة الريحاني ذات الأسلوب المتميز أيضاً. غير أن شرفنطح، على العكس من الريحاني، لم يُمنح فرصة أداء أدوار البطولة بسبب شكله الفيزيائي وسنه.

تجده بالأوصاف السابقة في معظم أفلامه، ولاسيما تلك التي مثلها أمام المبدع الكبير نجيب الريحاني. فمن ينسى مثلاً دوره في فيلم «سلامة في خير» عام 1937 والذي أدى فيه شخصية «بيومي مرجان»، المدرس الإلزامي البخيل بمدرسة «زين المواصف» الذي يسكن فوق شقة الفراش سلامة (نجيب الريحاني). ومن ينسى دوره في فيلم «سي عمر» عام 1941 والذي ظهر فيه مؤدياً دور «جميل بك» ضابط البوليس السابق الخبيث ذي الحاسة الأمنية وناظر العزبة الفاسد المتلاعب في أموال سيده مستغلاً غيابه. ومن لا يتذكر دوره في فيلم «أبوحلموس» عام 1947 والذي شارك فيه مجسداً شخصية «غبريال أفندي» باشكاتب وقف يلدز هانم (فيكتوريا حبيقة) الماكر.

ولد فناننا العبقري في أغسطس عام 1886 بحارة «ألماظ» الجانبية المتفرعة من شارع محمد علي في القاهرة، لأب كان يعمل معلماً بالأزهر نهاراً إلى جانب عمل ليلي آخر كي يوفر أسباب الحياة اللائقة لعائلته، ودرس بمدرسة الحلمية الأميرية، حيث ظهرت موهبته الفنية خلال المسرح المدرسي، خصوصاً بعد أن جسّد دور ماسح الأحذية الذي يدافع عن مهنته ويفتخر بها في إحدى المسرحيات بطريقة رائعة لاقت الاستحسان. ترك دراسته والتحق بمسارح الهواة مقلداً الشيخ سلامة حجازي في البداية حتى أطلقوا عليه اسم «سلامة حجازي الصغير»، ثم انضم إلى فرقة سيد درويش التي انتقل منها إلى فرقة الريحاني.

يقال إنه أراد أن يناكف صديقه نجيب الريحاني، الذي أطلقوا عليه اسم «كشكش بيه» لظهوره بهذا الاسم في العديد من مسرحياته، فاختار لنفسه اسم «شرفنطح» من وحي إحدى مسرحياته.

«شرفنطح»

وكلمة «شرفنطح» بحسب «معجم لغة الحياة اليومية» لمعده محمد الجوهري، تطلق على الشخص النطاط الذي لا يستقر في مكان، فيقال مثلاً «فلان عايش شرفنطح»، ولأن صاحبنا عاش حياته كذلك فقد لاءمه الاسم. فعلى الرغم من بخله وحرصه على خصوصية حياته، قيل إنه تنقل في زواجه من واحدة إلى أخرى وكلهن فتيات يصغرنه كثيراً في العمر، وتنقل أيضاً من مسكن إلى آخر دون أن يكون له عنوان ثابت، لكنه رفض الإنجاب بدعوى أنه لا يرغب في إحضار أطفال يعانون في الحياة.

في سنواته الأخيرة اشتدت عليه أمراض الشيخوخة والربو فقرر اعتزال الفن، وعاش فقيراً وحيداً ينفق على مأكله ومسكنه وعلاجه ودوائه من مبلغ العشرة جنيهات الذي كانت نقابة الفنانين تصرفه له شهرياً كمعاش، إضافة إلى ما كان يتصدق به عليه جيرانه. ويقال في هذا السياق إنه مات في الغرفة التي كان يسكن فيها في حي باب الخلق في يوم 25 أكتوبر 1966 دون أن يعلم أحد بوفاته إلا في نهاية أكتوبر حينما جاء مندوب النقابة ليعطيه العشرة جنيهات، فقال له الجيران: «جيت متأخر.. البقية في حياتك.. الأستاذ مات».

آخر أعماله كان فيلم «حسن ومرقص وكوهين» عام 1954، والذي أدى فيه دور «مرقص» الشريك القبطي الجشع في ملكية صيدلية مع المسلم حسن (عبدالفتاح القصري) واليهودي كوهين (استيفان روستي).

Email