«مشان الله» لا تتاجروا بمعاناة الأطفال

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعادت وفاة الطفل المغربي ريان، عليه رحمة الله، إلى الواجهة مرة أخرى، مأساة الطفل السوري فواز، وصرخاته هو يبكي متوسلاً لخاطفيه أن يتوقفوا عن ضربه، قائلاً لهم: «مشان (من أجل) الله لا تضربوني».

في حادثة الطفل المغربي ريان، ظلت أعصاب العالم مشدودة، على مدى خمسة أيام، وهو يتابع عمليات محاولة إخراجه من البئر التي سقط فيها، يحدوه الأمل في أن يتم إخراجه منها سالماً، رغم أن هذا الأمل كان يتضاءل بمرور الوقت، حتى كانت الفاجعة بإعلان وفاته بعد إخراجه من البئر مباشرة.

كان حادثاً مأساوياً بحق، صرف أنظار العالم مؤقتاً عن متابعة الأخبار السياسية، وأنباء الحروب والصراعات، التي ما فتئت تدور على سطح الكرة الأرضية، ليوحدها وهي تتابع أخبار طفل صغير، وقع في بئر مهملة، في قرية لم يكن الكثيرون يعرفونها، حتى وقوع هذا الحادث.

لقد كانت لحظة مواتية، كي يقوم الساسة والعسكريون، وكل الذين يشعلون الحروب في كل مكان، بمراجعة أنفسهم قليلاً، والالتفات إلى الجانب المضيء الذي نسوه أو أهملوه أو تجاهلوه من نفوسهم، ليعودوا بشراً أنقياء، كما خلقهم ربهم قبل أن يغيروا فطرته، وكما أراد لهم خالقهم أن يكونوا، لا كما تدفعهم إليه نفوسهم الأمارة بالسوء، حيث الجانب الأكثر سواداً وظلمة منها، وحيث إراقة الدماء، ونشر الخراب بمختلف الحجج.

ثمة جوانب كثيرة جميلة وباعثة على التفاؤل، ظهرت أثناء أزمة الطفل المغربي ريان، لكنّ جوانب أخرى مؤلمة ومظلمة، ظهرت أيضاً أثناء تلك الأزمة، أولها استغلال بعض أصحاب الحسابات في وسائط التواصل الاجتماعي الحادث المؤلم، للترويج لحساباتهم بوسائل وحيل عدة، لا تنطلي على العارفين، الذين يستطيعون التفريق بين المواقف الحقيقية والمزيفة.

وقد كان التزييف ظاهراً في الكثير من هذه المواقف، كما كان واضحاً أيضاً في استغلال بعض وسائل الإعلام لهذا الحادث المؤلم، وذلك عبر تخصيص ساعات مفتوحة لتغطية الحدث، بغرض استقطاب أكبر عدد من المعلنين والمتابعين.

وإلا، فأين كانت هذه الحسابات، وأين كانت وسائل الإعلام هذه من المآسي التي تحدث كل يوم لملايين الأطفال، الذين يعانون من الجوع والبرد وانعدام وسائل التدفئة، بل انعدام وسائل الحياة، في الملاجئ التي تؤويهم في مناطق الصراعات والحروب التي يشعلها الغارقون في أحلامهم السلطوية، ومشاريعهم التوسعية؟.

نتمنى أن يستمر هذا الزخم من الانحياز إلى الأطفال والنساء، وكل الأبرياء من ضحايا الحروب والصراعات في كل أنحاء العالم، ليس لأهداف وقتية، لها علاقة بالمصالح الشخصية أو التجارية، وإنما لأهداف إنسانية عليا، لها علاقة بخير البشرية، التي تبحث عمن يخرجها من الهوة السحيقة التي تردت فيها، والتي هي أعمق بكثير من البئر التي تردى فيها الطفل المغربي ريان، عليه رحمة الله، حين لفت أنظار العالم إليه، وأيقظه من غفلته.

هنا، تأتي مأساة الطفل السوري فواز، لتكمل المشهد، وتنقلنا إلى زاوية أخرى من الصورة، لا تزورها كاميرات أصحاب حسابات التواصل الاجتماعي عادة، ولا تركز عليها كثيراً كاميرات وسائل الإعلام، ذلك هو ما يجري في مناطق الحروب والصراعات من اعتداءات صارخة على الأطفال، وذبح لكل المبادئ التي حثت على التمسك بها كل الأديان والأعراف والأخلاق والقيم العليا.

فالمقطع القصير المصور للطفل السوري فواز، الذي تم اختطافه، وهو في الطريق إلى مدرسته، صباح 2 نوفمبر من العام الماضي، هذا المقطع الذي ظهر فيه وهو يتعرض للتعذيب والضرب، بغية إجبار ذويه على دفع فدية مقابل إعادته إليهم، ليس مؤلماً فقط، ولكنه صادم وجارح لأسمى المعاني التي يجب أن يتصف بها البشر.

فالطفل البالغ من العمر ستة أعوام، والذي ظهر في مقطع الفيديو وهو يتعرض للضرب العنيف بحزام جلدي، عارياً إلا من ملابسه الداخلية، هذا الطفل ليس إلا ضحية من ضحايا الحروب، وانعدام الأمن وغياب الضمير.

ومثلما استغل البعض مأساة الطفل ريان هناك، استغل البعض هنا مأساة اختطاف الطفل فواز، بتنظيم حملات جمع تبرعات وهمية لإنقاذه، في حين حذرت عائلته من هذه الحملات، وأكدت أنها قد انتهت من جمع مبلغ الفدية التي طلبها خاطفوه لإطلاق سراحه، الذي تم يوم السبت الماضي، بعد أن دفعت أسرته الفدية المطلوبة لخاطفيه.

«مشان الله» لا تتاجروا بمعاناة الأطفال، فالله، الذي توسل به الطفل فواز إلى خاطفيه، كي يتوقفوا عن ضربه، بريء من كل الذين يتاجرون بالأطفال، ويستغلون معاناتهم.

* كاتب وإعلامي إماراتي

 

Email