منذ أواخر العام الماضي والصين تسابق الزمن لوضع حد لأزمتها المتفاقمة مع الفحم كمصدر للطاقة تدير به مصانعها وتلبي من خلاله احتياجات سكانها المنزلية.

إذ إنه من المعروف أنها تعتمد في توليد الطاقة بصورة رئيسة على الفحم الحراري بنسبة تصل إلى %65، بينما تعتمد في النسبة المتبقية على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ومن الواضح أن عدداً من العوامل تضافرت معاً لتضعها في مأزق ومنها تصاعد معدلات الاستهلاك، وارتفاع أسعار الفحم العالمية، وقيودها الذاتية على استيراد الفحم الأسترالي، والحظر الأندونيسي على صادرات الوقود، ناهيك عن عوامل طبيعية مثل الجفاف الذي ضرب البلاد فقلل من إنتاج الطاقة الكهرومائية.

ظهرت أزمة الوقود في الصين العام الماضي حينما أعلنت ثلاث مقاطعات في شمال شرقي البلاد (لياونينغ، جيلين، وهيلونغجيانغ) عن خطط لقطع التيار الكهربائي.

الأمر الذي أدى إلى بعض الاضطرابات في العمليات التجارية والحياة اليومية لنحو مئة مليون نسمة في صورة توقف المصاعد وإشارات المرور عن العمل وتأثر إمدادات المياه ولجوء السكان إلى الشموع، طبقاً لمصادر صحفية في هونغ كونغ وسرعان ما امتدت الأزمة إلى مقاطعات أخرى حتى وصلت إلى مقاطعة غوانغدونغ التي تعد العمود الفقري المزدهر للصناعة الصينية.

حيث اتخذت محطات توليد الكهرباء فيها إجراءات للحد من استهلاك الطاقة مثل تقليل الإمدادات بدلاً من تكبد الخسائر الناجمة عن ارتفاع أسعار الفحم، وخصوصاً في ظل الحدود القصوى التي تفرضها الدولة على أسعار منتجها من الكهرباء.

والصين، التي كانت تعتمد سنوات طويلة على نفسها في توفير ما تحتاجه من الفحم، تصاعد استهلاكها من هذه السلعة طردياً مع تصاعد حاجتها منها لسببين رئيسين وهما النمو الصناعي الكبير والتضخم السكاني الهائل.

وهكذا لجأت إلى استيراد الفحم من أستراليا، ولكن هذه الواردات توقفت بقرار سياسي من القيادة الصينية، فكان البديل هو الاعتماد على إندونيسيا التي صارت أكبر مصدر أجنبي للفحم إلى الصين.

غير أن جاكرتا أعلنت أنها بدءاً من يناير 2022 ستعلق صادراتها من الفحم إلى الخارج لمساعدة محطات الطاقة الإندونيسية المحلية على تأمين ما يكفيها من الفحم لتوليد الكهرباء بأسعار معقولة، وهو ما عدته بكين طعناً في الظهر، وتراجعاً عن بنود اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (RCEP) الموقعة بين 15 دولة في آسيا والمحيط الباسيفكي.

والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 2022، وربما وسيلة ضغط على بكين في ما يتعلق بتنازع البلدين السيادة على مجموعة من الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، وخصوصاً بعد أن وجهت بكين أخيراً إنذاراً لجاكرتا بالكف عن التنقيب عن النفط والغاز في مياه شمالي بحر ناتونا المتنازع عليه.

وعلى الرغم من أن جاكرتا أوضحت أسباب قرارها وقف تصدير إنتاجها للفحم إلى كل الدول المستوردة، ولم تخص الصين تحديداً، إلا أن بكين تراودها الشكوك وتعتقد أن وراء القرار الإندونيسي أيادٍ أمريكية، بل ربط أحد كتاب الأعمدة الصينيين بين القرار وزيارة قام بها أخيراً إلى جاكرتا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

بالأرقام الرسمية الصينية، بلغ إنتاج الفحم في الصين العام الماضي 3.8 مليارات طن، واستوردت في الفترة نفسها 290 مليون طن، منها 180 مليون طن من إندونيسيا، و53 مليون طن من روسيا.

وللعلم فإن الصين أوقفت وارداتها من الفحم الأسترالي بدءاً من نوفمبر 2020 بعد أن تراجعت علاقات البلدين ودخلا حرباً تجارية دبلوماسية، فاقمها دخول كانبرا في تحالف بريطاني أمريكي ياباني قيل إنه يستهدف الصين.

ولكي تتغلب الصين على أزمتها هذه، وتتجنب الأسوأ في صورة توقف قطاراتها عن العمل، ليس أمامها سوى إيجاد مخرج يحفظ لها ماء الوجه ويعيدها إلى قائمة الدول التي تتزود من الفحم الأسترالي. ويقال إن بكين قد اتخذت قراراً بهذا الشأن وأنها طلبت فعلاً شحنة من الفحم من أستراليا مقدارها 2.8 مليون طن في الأسابيع الأخيرة.

وبالتزامن تخطط بكين لاستخراج كميات أكبر من الفحم المحلي من مناجمها في مقاطعة شانشي الشمالية التي تعد المنتج الأول للفحم في البلاد، على الرغم من أن مثل هذه الخطط تتعارض مع أهداف سياسات خفض انبعاث الكربون.

وتسعى أيضاً إلى تعزيز ذلك بواردات من الفحم المنغولي والفحم الروسي. كما أن هناك مطالبات داخل دوائر الحزب والدولة بفرض المزيد من القيود على استخدام الطاقة برفع أسعارها كوسيلة لمواجهة النقص في واردات الفحم وارتفاع أسعاره عالمياً.

 

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين