الأمثال والحكم بين خصوصية الموقف وتعميم المعنى

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأمثال والحكم عبارة عن مقولات موجزة، تعبر عن معايير إرشادية يمكن توظيفها لمساعدتنا في اتخاذ قرارات صائبة في المواقف المعقدة. بالتالي يمكن النظر إليها باعتبارها مرشدة لسلوك الأفراد والجماعات، الأمر الذي يوضح الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها. 

نود من خلال هذا المقال تفعيل المدخل النقدي في التعامل مع الأمثال والحكم، بالقول بأن أي حكمة أو مثل متداول بشكل عام، يمكن اعتباره صحيحاً بقدر علاقته بالموقف الذي طرح بشأنه. أي أن هناك عوامل تفاعلت مع بعضها، ثم شكلت إطاراً مناسباً لصياغة مثل أو حكمة معينة.

تداول مثل معين، لا يعني بالضرورة أنه أصبح صالحاً للتعميم والمشاركة المطلقة مع الآخرين؛ إذ إن التعميم قد يولد حالة من التسليم الأعمى بالمضمون الذي تنطوي عليه الحكم والأمثال. علماً بأن حالة التسليم هذه قد تكون مقصودة من قبل الشخص، وناتجة عن وعي وإدراك، وفي أحيانٍ أخرى قد تتحقق بشكل لا إرادي.

سنقوم بطرح 5 مقولات تعبر عن حكم وأمثال مختارة، مع الاجتهاد في تحليلها؛ وصولاً إلى توضيح الصورة المخالفة لها، للتأكيد على حقيقة الإشكالية التي تعاني منها الحكم والأمثال بين خصوصية الموقف وتعميم المعنى. ما نود إثباته، أن هذه المقولات قد تصح في مواقف، ولا تصح في أخرى، لذلك ينبغي على الأفراد التفكير جيداً قبل القيام بتفعيلها على كل ما يمرون به من ظروف ومواقف. 

العبارة الأولى: «حشر مع الناس عيد». ليس بالضرورة أن يكون اتباع الآخرين أمراً جيداً بالمطلق؛ لأن الطريق الذي يسلكه جمع غفير من الناس قد لا يكون صائباً، وبالتالي الحشر معهم لن يكون عيداً. على سبيل المثال، طريقة عمل نمطية في مؤسسة معينة، قد يكون أغلب الموظفين مقتنعين بها، وسائرين على نهجها، مقابل فكرة إبداعية أفضل من تلك النمطية، ولكن لا يؤمن بها سوى قلة من العاملين. 

العبارة الثانية: «من سار على الدرب وصل». ليس من المؤكد بأن كل من يسير على الدرب يصل؛ على اعتبار أن الشخص السائر، ربما يتعرض لمشكلات معينة أثناء سيره تمنعه من الوصول. وحتى إن وصل، ربما لا يعبر وصوله عن إنجاز؛ لكون الهدف المتحقق قد يكون منعدم القيمة. هذا لا يعني إننا نشجع على عدم المداومة والاستمرارية، بل نود توضيح أن هناك بعداً آخر للمثل ينبغي عدم إهماله. 

العبارة الثالثة: «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة». في بعض الأحيان، العصفور الذي في اليد يكون هزيلاً وضعيفاً، وبالتالي عملية الاحتفاظ به ستشكل مانعاً لصاحبه من محاولة بذل الجهد للحصول على كل أو بعض العصافير الـ 10 التي تقف على الشجرة. هذا يعني أن الفرصة التي بين أيدينا، ليست بالضرورة أفضل من الفرص الأخرى التي نتطلع إليها، والأمر بالتأكيد متروك إلى تقدير الموقف من قبل الشخص المعني الذي ينبغي عليه التدقيق جيداً؛ وصولاً إلى القرار الأمثل. 

العبارة الرابعة: «الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية». من حيث المبدأ، نعم، الخلاف في الرأي يفترض ألا يفسد الود بين الأطراف المختلفة، علماً بأن هذا الخلاف قد يحفز على التفكير الإيجابي. لكن بالمقابل هناك شخصيات لا تحتمل أن يختلف معها أحد في وجهة النظر. مثل هؤلاء لا يميزون بالأساس بين الحقائق، والآراء الخاصة. في حال كان صاحب هذه الشخصية صديقاً لا نريد أن نخسره؛ يفضل تجنب الدخول معه في مناقشة موضوعات خلافية تحتمل زوايا نظر متعددة، إذ إن المحافظة على الأحبة قد تكون أفضل من كسب جولة في محاورة عابرة. 

العبارة الخامسة: «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع». لا نعتقد أن الوقوع أو السقوط بعد الارتقاء مسألة حتمية في عالم الواقع؛ ذلك أنه أمر قد يتحقق فعلاً وقد لا يتحقق. أي شخص عندما يتميز ويرتقي، يمكن أن يبقى مجتهداً ويوفقه الله في عمله فيستمر في الارتقاء، وقد يتعرض لمشاكل فيقع ويسقط، أي أن كلا السبيلين محتملين. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوقوع في حال تحققه، لا يعد بالضرورة وقوعاً نهائياً، إذ قد يرتفع الشخص ويرتقي بعد ذلك مجدداً. 

ختاماً نقول.. هذا المقال يمثل دعوة للتفكير في الأمثال والحكم التي تطرق مسامعنا، إذ إنها قد تكون صحيحة، لكنها لا تصلح بالضرورة للتعميم على جميع مواقف وظروف حياتنا.

Email