فريق الحلم والنجاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان الوصول إلى القمر إنجازاً إنسانياً عظيماً، فقد كان هذا الإنجاز حُلماً ذات يوم، وحين وصل الإنسان إلى القمر لم يسمح لمخيلته بالنوم والخمول والكسل بل واصل صناعة أحلامه القادمة، ولو تفحصنا مسيرة البشرية في إنجازاتها الكبرى لوجدنا أن جميع هذه الإنجازات وفي جميع المسارات كانت لا تزيد على كونها أحلاماً جميلة تدخل البهجة في النفس.

وتُنشّط الطاقة الإنسانية نحو العمل والإبداع، وحين تضمر المخيلة الإنسانية وتجفّ منابع الأحلام ينعكس ذلك بالضرورة على المنجز الإنساني الذي يصاب بالروتين والتكرار والنمطية التي تقتل روح التجدد والإبداع.

إنّ الأحلام الكبرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإنجازات الأكبر، وليست هي مجرد خيالات تُداعب جفون الكسالى الغافلين بل هي من طموحات الفرسان الشجعان الذين تسبق بصيرتهم أبصارهم، ويعرفون الكُلفة العالية للأحلام الكبيرة، ويُقْدِمون عليها بكل جرأة وبسالة وتصميم، فبهذا المعنى تكون الأحلام رديفاً لمعنى البصيرة النافذة التي ترى المستقبل واقعاً متحققاً.

وتمتلك من التفاؤل والإيجابية ما يجعلها شديدة التصميم على تنفيذ جميع ما تطمح إليه الروح القوية المشبوبة بنار العزم، المتوقّدة بجمر التحدي، فهناك يكون لتحقيق الأحلام مغزاها وطعمها الذي لا يتذوقه إلا كلّ فارس مقدام، ولا يتحمّل كلفته إلا كل قائد جسور قادر على صناعة الأحلام.

في هذا السياق المحتدم بالنشاط والحيوية نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على حسابه في «إنستغرام» ومضة قيادية ضمن وسمه البديع «ومضات قيادية» اشتملت على حديثٍ عميق التأثير عن فكرة الحلم والإنجاز، وهي فكرة عميقة الحضور في تفكير سموه، وتتجلى كثيراً في كتاباته وأحاديثه لعمق إيمانه بها.

ويحرص على ترسيخها في وجدان الأجيال الشابة التي سيكون لها الدور الأكبر في إدارة الدولة، ويدعم كل فكرة نظرية بإنجاز عملي يشهد للفكرة بعمقها وصوابها، وذلك من خلال تجربته الثرية في الإدارة والحكم وما أنجز في هذه المسيرة الميمونة من إنجازات متميزة كانت في بداياتها أحلاماً تداعب خياله منذ طفولته، لكنه بإرادته الحديدية التي لا تلين.

وتصميمه الذي لا ينكسر، جعل من الأحلام حقيقة ملموسة تشهد لهذا القائد الجسور بنفوذ البصيرة وعمق التفكير وشجاعة القرار، فهو قائد ذو رؤية ثاقبة وبصيرة مستنيرة، وهو ما عبّر عنه بكل وضوح في كتابه «تأملات في السعادة والإيجابية» حين عقد فصلاً مُؤثّراً يحمل عنواناً لافتاً للنظر هو: «أغمض عينيك لترى» توقف فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عند ثنائية الحلم والإنجاز.

وكيف أنها من أخصّ خصائص القائد الإيجابي، حيث قال: «القائد الإيجابي هو الذي يستطيع أن يُغمض عينيه ويتخيل المستقبل، ويرى الإنجاز الذي يريد تحقيقه بكل تفاصيله وبكل جماله، وبكل نتائجه بصورة كاملة حتى إنه يستطيع أن يعيش مشاعر هذا النجاح الذي لم يبدأ بعدُ، القائد الإيجابي هو قائدٌ ذو رؤية ثاقبة تسبق بصيرته بصره» ولكي لا يظلّ الكلام في إطار النظرية وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التطبيق العملي لهذا الحلم حين تحدث عن القرار الشجاع الذي اتخذه طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله ببناء أطول برج في الشرق الأوسط في دبي عام 1979 واختاره في قلب الصحراء ليكون هو الخطوة الأولى نحو منطقة تعجّ بالأبراج التي ستكون علامة دبي الفارقة في مستقبل الأيام.

وليعلم قارئ أفكار محمد بن راشد أن فكرة الأحلام عنده هي المحك الأخطر في مسيرة الإعمار والبناء وأنها ليست مجرد ظنون وأوهام يدغدغ بها مشاعر الناس، بل هي تجسيد لثنائية القول والفعل التي تتميز بها شخصيته العملية الصارمة.

«ليكن لكل واحد منا حلم»؛ بهذه العبارة العفوية البسيطة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومضته القيادية، فالأبواب مُشرعة أمام الجميع ليكون لكلّ واحد منا حلمه الخاص، الحلم الذي ينتقل به من مرحلة عادية إلى مرحلة مختلفة في جوهرها وشكلها ونتائجها، فهذه هي الأحلام المثمرة التي يريدها سموه لكل من يقرأ كلامه أو يستمع إليه وهو يتحدث عن فكرة الحلم ودورها الكبير في صقل الإنسان وتفجير ينابيع العمل والإنجاز.

«أحلم بأن يعمل الجميع كفريق واحد، وتكون هناك منافسات» وهذا الحلم القديم المتجدد في فكر سموه هو الضمانة الوحيدة لتحقيق أعظم الإنجازات، فكل ما تم تحقيقه في مسيرة الدولة كان ضمن فريق العمل الذي يصطفيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن وعي وبصيرة، وعلى المستوى النظري فقد عقد سموه فصلاً رائعاً عن فريق العمل في كتابه المتميز «رؤيتي:

التحديات في سباق التميز»، حيث أبدع في وصف معايير العمل كفريق يتميز بالنجاح والتجدد، وها هو ما زال يحمل هذا الحلم الذي هو سرّ نشاطه وقدرته على مواصلة العطاء، لكنه يؤمن بعمق هذه الفكرة وأصالتها وقدرتها على رفد الحياة بكل ما هو جميل وجديد وأصيل.

«نعمل كفريق واحد من أجل صنع مستقبل دولتنا» فهذه هي الغاية التي يتغيّاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من فكرة الفريق الواحد، أن تكون جميع الجهود متجهة نحو هدف واحد هو خدمة الوطن وإعلاء بنيانه من خلال صنع مستقبله الزاهر الذي يليق به، فالحلم دائماً يتجه نحو المستقبل، وسموه شديد التركيز والعناية بأجيال المستقبل باعتبارهم الامتداد الطبيعي لأجيال البناء والإعمار في هذه المرحلة الرائعة من مسيرة الوطن الحبيب.

«أحلم بأن تكون جميع القرارات مبنية على معلومات حديثة وحقائق صحيحة» وهذا الحلم يتجه نحو الداخل من التفكير الناجح لفريق العمل، فليس المهم هو الإطار بل الأهم هو الجوهر، وجوهر النجاح هو التأسيس على المعطيات الصحيحة واتخاذ القرارات المدروسة التي تمّ بناؤها على معلومات حديثة غير مكرورة ولا مستهلكة، فالتقدم لا يمكن أن يتحقق إلا بمواصلة استشراف المستقبل من خلال متابعة المنجزات الإنسانية الحديثة في العلوم والنظم الإدارية على وجه التحديد، وهو ما تتميز به مسيرة الدولة خلال الخمسين عاماً الماضية من عمرها السعيد.

«أمامنا مرحلة جديدة وتحدّي جديد... لا نجاح مع الخوف، ولا خوف مع النجاح» وبنبرة القائد الواثق يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن العمل يتطلب المزيد من الجهد والبذل، لأن أمامنا مرحلة جديدة من البناء والآفاق المفتوحة على مستقبل مختلف، وتحديات جدّية تحتاج إلى مواجهة صارمة وعزيمة مصممة على النجاح والتفوق وتصدير النموذج.

ولتبديد جميع ما يكتنف هذه المرحلة من مشاعر الترقب وهواجس التردد يجزم سموه بهذه الخاتمة الرائعة حين يؤكد أنّ تحقيق النجاح ضمن مشاعر الخوف هو هدف مستحيل، فالشجاعة والجرأة هما وقود العزم والمسيرة، تماماً كما أن الخوف لا وجود له في قاموس الناجحين، فعلى الشجاعة والثقة والعزم والتصميم تتأسس قصة الإبداع، وتترسخ حكاية الإنجاز الرصين.

بقلم: أ. د. محمّد عبدالرّحيم سلطان العلماء

Email