مايا أنجلو التي ظلت تنهض

ت + ت - الحجم الطبيعي

صورتها صارت على العملة المعدنية الأمريكية في العام الجديد، إنها الأمريكية السوداء مارجريت جونسون، أو مايا أنجلو، كما يعرفها العالم.

ولدت مارجريت (أو مايا)، وعاشت أولى سنوات حياتها في الجنوب الأمريكي، بمدينة صغيرة، في ولاية أركنسا، واسم مايا، الذي صارت تعرف به، يرجع الفضل فيه لأخيها الأصغر بيلي، الذي كان في طفولته المبكرة يناديها باسم «ما» أو «ماي»، فطورته مارجريت لاحقاً ليصبح مايا، ومايا أنجلو موهبة فذة، فهي كاتبة وشاعرة، وراقصة ومخرجة، ومنتجة بالمسرح والتلفزيون، فقد درست السينما في السويد، وعملت أستاذة بالجامعة بأمريكا، ثم عاشت خارج بلادها، فعملت باليونان وإيطاليا وغانا والقاهرة، وهي في كل ذلك كانت في رحلة فريدة، تبحث فيها عن ذاتها، وتتولى تربية ابنها، وتسعى لأن تترك إرثاً ملهماً للأجيال التالية.

وقد عاشت الطفلة مارجريت أو مايا في منزل جدتها لأبيها، ورسمت في مخيلتها صورة للأب والأم الغائبين، وكانت تسأل نفسها عما ارتكبته حتى يعزف كل منهما عن صحبتها، ثم انتقلت للعيش مع أمها في سن الثامنة، فتعرضت لمحنة قاسية حين اغتصبها صديق أمها، وحين علم الأهل بالقصة قتلوه، فامتنعت الطفلة عن الكلام لعدة سنوات اعتقاداً منها أن صوتها هو الذي قتل الرجل، بعد أن شهدت ضده بالمحكمة، وقد استطاعت سيدة بالجوار أن تعيد لها ثقتها بنفسها وصوتها.

ولعل أهم ما كتبت أنجلو، والأكثر تأثيراً كان سيرتها الذاتية، التي تقع في عدة أجزاء، فهي تتناول خبرات المرأة بكل مكان، ليس فقط المرأة السوداء ببلادها، وفي كتاباتها، شعراً ونثراً، عبرت عن التضافر بين القهر الطبقي والعنصري حين يختلط بالقهر الموجه للمرأة، ومثلها مثل غيرها ممن يعرفون أنفسهم بشكل أفضل عند السفر، كتبت أنجلو عن اكتشافها أكثر لهويتها حين تركت بلادها، فهي قالت إن احترامها لسود أمريكا ازداد بعد مغادرتها، فبمجرد المغادرة، كانت تترك وراءها العنصرية، التي كان التعامل معها يستنزف جزءاً كبيراً من طاقتها. وكانت حين تتركه وراءها تتلاشى «الضوضاء المزعجة»، التي تملأ رأسها، فتشعر بالسكون والسكينة. «كيف تحملوا ذلك كله؟» كان ذلك هو السؤال، الذي يقفز لذهنها عن السود في بلادها، فكيف تحملوا كل تلك الجراح والألم، واستطاعوا الاستمرار على قيد الحياة بحيوية وأمل في المستقبل؟ ومن بين ما روته عن زيارتها لغانا كان ما اعتبرته اكتشافاً لجذورها، ففي طريقها للمغادرة حين دعاها مالكولم إكس في الستينيات للعودة، لتساعده في إنشاء منظمته «منظمة الوحدة الأفرو أمريكية»، توقفت بمدينة اكتشفت بالصدفة أنها كانت تعيش دماراً من نوع خاص، فتجارة العبيد الذين كانوا يساقون بالأغلال لأمريكا لم تترك بالمدينة سوى الأطفال، الذين نجحوا في الاختفاء خلف الأشجار، فعاش أولئك الأطفال بمفردهم دون ذويهم، الذين رحلوا قسراً. وحكت مايا أنها شعرت بأنها أمام «معجزة»، فها هي تقف في مسقط رأس أجدادها القدامى.

والحرية كانت قيمة رئيسة في كتاباتها، فمايا، التي تولت تربية ابنها بمفردها، كانت مؤمنة بأن المرأة الحرة وحدها هي القادرة على تربية طفل سويّ، غير أن أهم ما يلفت انتباهك في كتاباتها هو شجاعتها المذهلة، فعلى عكس ما يفعله أغلب من يكتبون عن حياتهم، لم تلجأ مايا لتقديم نفسها في صورة ناصعة، ولا حتى في صورة الضحية، وإنما تحدثت عن أخطائها وخطاياها دون رتوش ولا تجميل، وذكرت الأشخاص بأسمائهم والأحداث بالزمان والمكان الحقيقي، وروت ذلك كله بلغة أدبية بديعة تجعلك لا تترك كتابها قبل أن تطوي آخر صفحاته.

ومايا أنجلو التي صارت صورتها على العملة الأمريكية، كانت أول امرأة سوداء في تاريخ أمريكا تلقي الشعر في حفل تنصيب الرئيس بيل كلينتون، وهي بذلك فتحت الطريق أمام أخريات، فرأى العالم أماندا جورمان، الفتاة السوداء الموهوبة، التي ألقت الشعر في حفل تنصيب الرئيس بايدن العام الماضي فأبهرت الجميع.

ولعلني أترك القارئ مع كلمات قليلة من قصيدة بديعة لأنجلو تسمى «ولا زلت أنهض»، إذ قالت فيها «من كهوف العار التاريخي، لا زلت أنهض... من الماضي المتجذر في الألم لا زلت أنهض. أنا حلم العبيد وأملهم. أنهض أنهض».

* كاتبة مصرية

Email