كلمة في فلسفة الزمن وقيمة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحياناً وبحكم الطبيعة الإنسانية يتسرب إلى الإنسان بعض مشاعر الخمول والكسل، ويشعر بالإخلاد إلى الراحة التي هي الوجه الخفي للترهل وضعف العزيمة، فيحتاج إلى وخزة وإضاءة تخرجه من هذا المدار، وتعيد ترتيب ذاته وتشحن عزيمته نحو المزيد من العمل والإنجاز، وإن ما ينشره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في وسمه الشهير «ومضات قيادية» هو ممارسة مبدعة في مواجهة ثقافة السكون والركون إلى المنجز، مع الإلحاح الدائم على المستقبل، وأنه هو الرهان الأوحد الذي يضمن سلامة المسيرة، وديمومة النجاح والتقدم، وإلا فإن الركون إلى المنجز هو في فلسفة صاحب السمو الخطوة الأولى في التراجع نحو الوراء، والضمانة الوحيدة التي يعمل عليها فكراً وسلوكاً هي الشعور الدائم بأن المسيرة تسير داخل أفق مفتوح نحو المزيد والمزيد من الإنجازات المتميزة التي لا تتكرر بل تترك بصمتها الخاصة في كل عمل على حدة.

في هذا السياق من الاهتمام بالروح الوطنية العامة، ومن خلال الحرص على تعظيم المنجزات وفتح الآفاق على مستقبل مشرق دائم متجدد، يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على مخاطبة أبناء شعبه بخبراته المتميزة، وبصيرته الثاقبة، وعزيمته التي لا تلين، فهو يعلم ما معنى أن يتسرب الخمول إلى الروح العامة للشعب، ويقف بحزم وصرامة في وجه مظاهر الترهل والكسل، ولا يلقي أدنى اهتمام لكل مظاهر التراجع في الحياة بل كانت حياته وما زالت وستبقى بإذن الله نموذجاً للنشاط والحيوية، والرغبة الصادقة العميقة في تحرير جميع الطاقات الكامنة في هذا الإنسان الذي أودع الله سبحانه فيه من القوى ما يستطيع معه إنجاز أشياء تشبه المستحيل.

وتأكيداً على هذا المنظور في بناء الدولة والإنسان، نشر سموه على حسابه في «إنستغرام» ومضة قيادية بصوته الواثق الحازم تحدث فيها عن فلسفة الزمن وقيمة المستقبل في الوعي الإنساني، حيث أكد على الطبيعة المتفردة في التفكير بمفهوم الزمن ومعنى المستقبل، افتتحها بقوله: نحن نتحالف مع المستقبل، ونذهب إليه لنشارك في صنعه. وهذا نمط متقدم في التفكير من حيث الصياغة اللفظية ومن حيث المحتوى، فالتحالف دائماً يحمل في طياته محتوى إيجابياً يقوم على تبادل المصالح والمنافع، ويتأسس على الإدراك المتبصر في طبيعة الأشياء، وها هنا يقرر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن علاقة النهضة في بلادنا تقوم على أساس التحالف مع الزمن من منظور التكامل والشعور المتبادل بالثقة، فالزمن عدو للإنسان الكسول المفرط المهمل، وصديق حميم للإنسان النشيط المتفاعل مع الحياة كما سيوضحه سموه في نهاية الومضة، وتأكيداً على عمق هذه العلاقة يؤكد سموه على أنه لا يجلس في قاعة الانتظار بانتظار مرور الزمن بل هو الذي يبادر للذهاب إليه والدخول في مداره ليشاركه صنع المستقبل الذي يستخرج من الإنسان أعمق الأفكار وأدق التصورات الكفيلة باختراع المدهش والمستحيل والاستثنائي.

«ولم نكن يوماً من الذين ينتظرون، ولن نكون». وهذه العبارة من الومضة جاءت تأكيداً للكلام السابق، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وفريق عمله ليسوا من الذين ينتظرون بل يمتلكون روح المبادرة، ويصممون على ذلك، فلن يكونوا في يوم من الأيام من هؤلاء القاعدين الجالسين في صالات الانتظار بانتظار سنوح فرصة طائشة، لا بل هم الذين يخلقون الفرص الثمينة بأفكارهم المتقدمة التي تتقدم على الزمن أحياناً، ويصنعون المستقبل الذي يفوق التوقعات في بعض الأحيان، وهذه هي سمة القيادة الحقيقية، أن تكون قادرة على المبادرة وإنشاء واقع جديد لم يكن يخطر على البال ولا يدخل في الخيال.

«فالوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان، إذا ضاع الوقت لا يمكن استرجاعه». وهذه هي الحقيقة العميقة التي تؤسس لتلك النظرة النافذة في مفهوم الزمن، وهي أن الوقت هو العنصر الأثمن في هذه الحياة، وهو بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أغلى ما يملكه الإنسان، فإذا فرط فيه فهذا من ضعف بصيرته وعدم خبرته وإدراكه لقيمة الزمن في صناعة الحياة، وهل يختلف إنسان عن إنسان إلا من هذه الحيثية، فالإنسان المبدع هو الذي يعرف قيمة الزمن ويستثمره على أفضل الوجوه، والإنسان المتخلف هو الذي لا يعرف فحوى الزمن، ويضيع عمره سدى لا حاصل معه، وما تقدمت الأمم والحضارات إلا بعد تغيير مفهوم الزمن في بنائها النفسي والعقلي، وإلا إذا اعتقدت اعتقاداً جازماً بأن الزمن إذا ضاع فلا يمكن استرجاعه لأن الزمن كالنهر الجاري فأنت لا يمكن أن تقطع النهر نفسه مرتين، بل في كل مرة يكون الماء متجدداً وكذلك الزمن في محتواه يتجدد في كل لحظة، فإن كانت لحظاته معمورة بالإنجاز فهو الزمن الفاضل، وإلا فهو الزمن الفارغ الذي هو لعبة الإنسان الفارغ.

«والزمن ليس محايداً، فهو إما صديق حميم، أو عدو لدود». وهذا تلخيص في غاية الذكاء والروعة لجوهر الومضة، فالزمن له شخصية، وهذه الشخصية غير محايدة بل هي منحازة للحقيقة، فإذا كان الإنسان قادراً على استثمار زمانه بالعمل الجاد أصبح الزمن هو الصديق الحميم، والمساند الأليف، وإلا غدا عدواً يستهلك العمر في الفراغ، ويترك الإنسان يفرك كفيه ويعض أصابع الندم على ما فرط من الوقت الثمين الذي لا يمكن استعادته على الإطلاق.

«الشيء الذي فعلناه أمس انتهى، تكلموا عن الغد وعن المستقبل، نحن ما زلنا في البدايات، والرحلة طويلة وشاقة». ولكي لا يبقى الكلام في إطار النظرية يضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد القارئ والمستمع أمام الحقائق العملية، فالشيء الذي تم إنجازه ولو كان على أكمل وجه هو شيء قد أصبح جزءاً من الماضي، والوقوف عنده يعني التأخر عن مسيرة الزمن، وهذا يعني أن علينا أن نفكر في المستقبل، ونبحث عن أفقٍ جديد للغد القادم ولا نكتفي بالزهو والفخر بما أنجزناه، وهذا هو جوهر الحيوية الإنسانية، ويعلل سموه هذا النمط من الفكر المتقدم بأن جميع ما تم إنجازه هو الخطوة الأولى في مسيرة طويلة وشاقة تستلزم الكثير من الجهد والتفكير والتصميم على بلوغ الأهداف التي تزداد انكشافاً كلما أمعن الإنسان في السير في طريق الإنجاز، فحين يمتلك الإنسان هذا الإحساس بأن المسيرة طويلة وما زالت في البدايات فإن جميع طاقاته تبقى متحفزة لإنجاز الكثير الكثير في مسيرة الوطن، وهو ما يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على تجذيره في العقل والوجدان داخل الشخصية الوطنية التي تستلهم الرؤى العميقة لسموه، وتستهدي بأفكاره المتميزة في مسيرة الإعمار والبناء لتظل الإمارات دولة تحترف التقدم، وتقدم النموذج الأرقى في هذا المسار.

Email