«حكايات أهل الفن»

«البـُقْ» الذي تسبب لصاحبه بالشهرة والسخرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قاسى الفنان إسماعيل ياسين الأمرين، وواجه تحديات معيشية جمّة منذ أن نزح من مسقط رأسه بالسويس إلى القاهرة سعياً وراء الرزق، حتى منّ الله عليه بعمل في كازينو «بديعة مصابني»، كمنولوجست مقابل مبلغ زهيد. ابتسم الحظ له عام 1939 بدخوله مجال السينما على يد المخرج فؤاد الجزايرلي من خلال فيلم «خلف الحبايب».

وفي سنوات الأربعينيات قدّم بعض الأفلام التي لعب فيها دور سنيد البطل، لكنه في الخمسينيات قدّم أدوار البطولة، وتحوّل إلى نجم شباك مع لمعان اسمه في دنيا الكوميديا، ولاسيما في منتصف ذلك العقد حينما كوّن شراكة ثلاثية مع أبو السعود الأبياري والمخرج فطين عبدالوهاب لتقديم سلسلة الأفلام الكوميدية التي حملت اسمه.

يعتبر عام 1955 عاماً مهماً في حياة ياسين، ففيه أسّس فرقته المسرحية الخاصة التي قدّمت عروضاً يومية على مدى 12 عاماً. أما عقد الستينيات فقد شهد أفول نجمه، بسبب إصابته بمرض القلب وتكرار نفسه من جهة، وظهور مجموعة جديدة من فناني الكوميديا المجددين من جهة أخرى، وهما العاملان اللذان تسببا في انصراف المنتجين والمخرجين عنه.

ولهذا ساءت حالته النفسية التي تفاقمت بتراكم الضرائب عليه ووصوله إلى حافة الإفلاس، ما دفعه إلى بيع كل ما يملك لتسديد هذه الضرائب، بما في ذلك فرقته المسرحية. وهكذا عاش فقيراً حزيناً من بعد ثراء وأمجاد إلى أن توفي عام 1972.

اعتمد ياسين في شهرته على «بقه» (فمه)، إذ شكل فمه الواسع الغريب مادة استغلها مخرجو أفلامه لاستدرار الضحك من الجمهور، كما كانت مادة للسخرية منه في الصحافة والمجتمع. وفي لقاء معه في البرنامج الإذاعي «جرب حظك» عام 1957 قال: «كنت بمثل فيلم وكانوا مسميني فيه (بُقه)، ومن هنا مشيت حكاية بُقه، ولما لقيت الناس بيحبوا يعاكسوني ببُقي، عملت مونولوج عن بُقي، ومثلت ببُقي، ومن هنا بقيت أستغل بُقي».

وفي لقاء صحفي تحدث فيه عن بداياته أشار إلى أن بروزه سينمائياً بدأ مع علي الكسار في فيلم «علي بابا والأربعين حرامي» عام 1942، وأنه حصل نظير ذلك على 15 جنيهاً، وأن مخرج الفيلم «توغو مزراحي» صدمه بقوله «إنت ماتنفعش في السيما عشان شكلك ملخبط ووجهك كله بـُق».

وحينما استفسر منه ياسين عن علاج مناسب لإصلاح شكله الملخبط، اقترح عليه مزراحي جراحة تجميل لتضييق فمه. وبالفعل سارع ياسين إلى عيادة طبيب تجميل في شارع عماد الدين لتضييق فمه 3سم، لكنه تراجع لما علم أن العملية تكلف 30 جنيهاً وجيبه ليس فيه سوى 10 قروش.

وقد علّق بنفسه على تلك الواقعة قائلاً إنه لم يندم على التخلي عن الجراحة، بل إنه أفضل شيء فعله في حياته، لأنه بذلك أصبح صاحب أكبر وأشهر بُق في السينما المصرية، معتبراً بقه «مغارة علي بابا التي حققتُ من ورائها ثروتي».

أما المفارقة فهي أن ياسين الذي لم يكن معه 30 جنيهاً لتجميل بُقه، أعلن في مقابلة مع مجلة آخر ساعة عام 1955 أنه كسب من وراء بُقه 70 ألف جنيه، وأنه مستعد لدفع 20 ألف جنيه كبوليصة تأمين عليه.

من الذين تندروا على بُقه أم كلثوم التي يُروى أنها قابلته في صيدلية بالإسكندرية وهو يزن نفسه فسألته عن وزنه فقال 78 كلغ فقط، فردت أم كلثوم مداعبة: «وده مع بُقك أو بدون؟». فما كان من ياسين إلا أن قابل سخرية «الست» بسخرية مماثلة، وطالبها بأن تزن نفسها هي الأخرى قائلاً لها «أكيد الوزن هيبقى من غير صوتك لأن صوتك كبير وقوي».

 

 

Email