«الفودكا» في «نورد ستريم 2»

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن إرسال الأسلحة والذخيرة من الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى أوكرانيا، تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون معركة أخرى مع روسيا تحسباً لاندلاع الحرب بين كييف وموسكو. هذه المعركة تدور حول إمدادات الغاز إلى أوروبا، حيث ترى إدارة الرئيس جو بايدن أن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي يشكل «المساحة الرخوة» في استراتيجية الغرب لمواجهة روسيا في أوروبا.

وفي ظل الحسابات الأمريكية والأوروبية بأن الحرب سوف تندلع مع روسيا قبل منتصف فبراير، سارع الرئيس بايدن للاجتماع مع رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين في 28 يناير بهدف وضع استراتيجية ذات هدفين، الأول «مرحلي» ويتعلق بضمان تدفق الغاز إلى أوروبا حال بدء الحرب مع روسيا، والثاني «استراتيجي» ويهدف لتقليل أو إنهاء الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي تمهيداً لإخراج روسيا من معادلة الغاز الأوروبية، فما هي خطط واشنطن للرد على ما يوصف بأنه «سلاح الغاز» في يد روسيا؟ وهل من خيارات أمام موسكو، سيما وأن الغاز الروسي يشكل 51% من إمدادات الغاز للقارة العجوز في 2021 بعد أن كانت إمدادات الغاز الروسي لأوروبا 177.3 مليار متر مكعب مثّلت 40% حتى نهاية 2020؟

التردد الأوروبي

تقوم الحسابات الأمريكية على أن التردد الأوروبي في مواجهة روسيا يعود في أسباب كثيرة منه إلى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي الذي يتسم بميزتين غير موجودتين حتى الآن في أي بديل آخر، أولاً قرب إمدادات الغاز الروسية من الأسواق الأوروبية، وثانياً قلة الأسعار مقارنة بالغاز المسال الذي يتم نقله بالشحنات من مناطق بعيدة، فالغاز الروسي يتم نقله مباشرة إلى شبكة توزيع الغاز الأوروبية من حقول الإمدادات الروسية بالأنابيب مثل خط يامال الذي تأسس منذ عام 1994 وينقل 30 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا وألمانيا ويمر في دول كثيرة أبرزها بولندا وبيلاروسيا، وخط نورد ستريم الأول والذي يستطيع نقل نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وبدأت الولايات المتحدة بالفعل في زيادة شحنات الغاز المسال إلى أوروبا حيث اتفق البيت الأبيض مع فون دير لاين على حزمة من الإجراءات تعزز «أمن الطاقة» في أوروبا عبر محورين رئيسيين هما التدفق الآمن والمستمر وفي الوقت المناسب لإمدادات الطاقة، ويهدف هذا الأمر للوصول إلى المحور الثاني الذي يتعلق بالوصول إلى سعر عادل ومقبول للمستهلكين الأوروبيين.

تنويع الخيارات

ولتحقيق هذه الاستراتيجية تسعى الولايات المتحدة للعمل على أكثر من مستوى لضمان وجود بدائل للغاز الروسي في أوروبا، حيث يعمل البيت الأبيض على زيادة شحنات الغاز المسال الأمريكي بعد أن وصلت إلى أوروبا خلال شهر يناير أكثر من 20 شحنة من الغاز المسال وفي الطريق نحو 33 شحنة أخرى وفق شركة «فورتيكسا» لجمع إحصائيات توريدات الغاز، كما تعمل واشنطن على تحويل جزء من صادرات الغاز الأسترالي التي تبلغ 110 مليارات متر مكعب إلى أوروبا، مع العمل مع بعض دول الشرق الأوسط والخليج لضخ مزيد من الغاز إلى أوروبا، لكن الخطط الأمريكية في هذا الأمر تواجه تحديات كثيرة منها أن بعض الدول مثل أستراليا سلمت بالفعل كل الغاز الذي جرى التعاقد عليه، وبالتالي ليس هناك فائض كبير يمكن أن يتوجه إلى أوروبا، كما أن الكثير من المصدرين لا يريدون تقليل الصادرات لآسيا وخاصة الصين التي استوردت 354.2 مليار متر مكعب من الغاز الروسي عام 2021، وفي حال وجود حرب أو تصاعد أكثر للخلاف الروسي الأوروبي سيكون السوق الصيني هو أول من يستقبل الغاز الروسي.

«نورد ستريم 2»

منذ 31 يناير 2018 تراهن ألمانيا على حل مشكلة الطاقة بتشغيل «خط نورد ستريم 2» الذي تكلف بناؤه 11 مليار دولار لنقل 55 مليار متر مكعب جديدة من الغاز، ورغم اكتمال بناء الخط تماماً، إلا أن الصراع بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية يعرقل حصول الخط على ترخيص العمل في أوروبا، الأمر الذي دفع نائبة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند للسخرية من هذا الخط بالقول: يمكن للروس أن يبيعوا الفودكا في «نورد ستريم 2» بدلاً من الغاز.

 

Email