أوكرانيا.. خيار الدبلوماسية ما زال قائماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم تحديد البيت الأبيض الزمن الذي سوف تغزو فيه روسيا جارتها أوكرانيا، من منتصف يناير الجاري حتى 15 فبراير القادم، وبالرغم من الحديث عن تعليمات وزارة الخارجية الأمريكية لعائلات الدبلوماسيين بمغادرة العاصمة الأوكرانية كييف، وتصاعد الحديث عن الحشد الروسي والحشد الغربي المضاد على جانبي الحدود الروسية الأوكرانية، إلا أن وقت الدبلوماسية لم ينته بعد، ولعل اجتماع وزيري الخارجية الأمريكي والروسي والاتفاق على اجتماع جديد، ودعوة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لنظيره البريطاني بن ولاس لزيارة موسكو، إلا أن هذه كلّها مؤشرات على أن حل الصراع ممكن بالطريقة السلمية، وتجنب كل سيناريوهات الحرب المحدودة أو الشاملة بين دولتين وشعبين كانا حتى 30 عاماً ضمن حدود دولة واحدة هي الاتحاد السوفييتي، فما هي العوامل التي تدفع جميع الأطراف للاحتكام للغة العقل وطاولة المفاوضات، وليس لغة البندقية والرصاص؟.

لا يوجد مغامرون

كل الشواهد تؤكد أن إدارة المعركة الإعلامية والسياسية بل والحشد على الأرض يتم من جانب قيادات عقلانية للغاية، سواء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الأمريكي جو بايدن. منذ توليه الحكم نهاية عام 1999 ورغم كل ما يقال عنه في الغرب، أثبت الرئيس الروسي أنه شخصية عقلانية للغاية، ولم يصدر عنه في أي يوم من الأيام أي سلوك يمكن وضعه في خانة «المغامرة» أو «المجازفة».

وحتى الآن تعلم موسكو أنها تريد فقط ضمانات أمنية وعدم تهديد أراضيها من جانب حلف الناتو، وأن أي طرح بإبعاد الصواريخ القصيرة والمتوسطة بعيداً عن الأراضي الروسية أو حتى عدم تركيبها على منصات الإطلاق يمكن أن ينزع فتيل الأزمة.

على الجانب الآخر فإن الرئيس بايدن يعلم تفاصيل الأزمة الأوكرانية جيداً، ويعتبره الأوكرانيون خبيراً في الشؤون الأوكرانية منذ أن كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية ونائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، حيث كان الملف الأوكراني من الملفات الرئيسية التي يتابعها بايدن على مدار الساعة، كما أن القادة الأوروبيين الكبار الذين سوف يشاركون في الحرب حال اندلاعها هم أكثر القيادات حكمة ورفضاً للحرب في أوكرانيا، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المستشار الألماني أولف شولتز الذي رفض بيع الأسلحة حتى لو كانت دفاعية لأوكرانيا.

تعميق الأزمات

ما يشجّع على عدم الدخول في حرب أن جميع أطراف الأزمة يعيشون مأزقاً حقيقياً، فموسكو وبسبب فرض العقوبات عليها منذ عام 2014 يعاني الاقتصاد الروسي من مشاكل كثيرة، وتنتظره مشاكل أكثر ليس فقط بسبب جائحة كورونا، لكن أيضاً بسبب التحوّل نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، فحتى الآن تعد روسيا أقل الدول النفطية تحويلاً لاقتصادها نحو مصادر دخل كبيرة بحجم عائداتها من النفط والغاز، ناهيك أن معدلات الإصابة بالجائحة في روسيا من المعدلات المرتفعة جداً في العالم، بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية التي ينبغي على روسيا مواجهتها في بيلاروسيا والبحر الأسود وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز والبلقان.

ولا تقل المعاناة التي تعيشها الولايات المتحدة عن المشاكل التي تمر بها روسيا، فكل الموضوعيين يعتبرون أن بايدن لم يحقق أي إنجاز في العام الأول من ولايته، وأن الأزمات تتراكم في الداخل والخارج. ففي الداخل يواجه فشلاً في إقناع قطاعات واسعة من الأمريكيين بتلقي التطعيمات، والمحكمة العليا وجهت له ضربة قاصمة برفض إلزامية التطعيم، وحزبه الديمقراطي منقسم حول كل شيء بما في ذلك «الملفات الديمقراطية» مثل امتلاك السلاح والهجرة على الحدود المكسيكية، بالإضافة للتحديات الخارجية كالمناخ والصين والخلافات داخل «الناتو» وغيرها، كما يعد سيناريو الحرب هو أسوأ سيناريو لأوروبا خاصة في هذا التوقيت التي تعاني فيه من الجائحة وارتفاع أسعار الغاز لمستويات قياسية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي. وفي آسيا ليس في صالح الصين أن تندلع الحرب وهي على أعتاب حدث تاريخي، حيث تستضيف الأولمبياد الشتوية الشهر القادم.

إذن نحن أمام بيئة سياسية تدفع نحو الخيار الدبلوماسي، وليس أي سيناريو أو طريق آخر لحل الخلاف الروسي الأوكراني.

Email