وأنتم أيضاً صنّاع الحاضر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لخص ميجيل موراتينوس وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة والممثل السامي للتحالف الدولي من أجل الحضارات، سبب الأزمة بين الشباب والمسؤولين في شتى دول الدنيا، في عبارة موجزة خلال افتتاح منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، حينما قال: «أنتم تقفون في الشوارع تتظاهرون وتثورون، ونحن نجلس في مكاتب مغلقة، نشاهد شاشات التلفزيون، ولا نفهم لماذا تتصايحون»..!

تلك إذن أزمة تواصل، وفجوة فهم.

وعندما قالت الفنانة الإسبانية الشهيرة إيتزيار إيتونو، بطلة المسلسل الشهير «لاكاسا دي بابل».. في تقديمها للحفل: «إن الشباب هم صناع مستقبل هذا الكوكب».. رد عليها موراتينوس وهو وزير خارجية سابق لإسبانيا: «بل أنتم صناع الحاضر أيضاً».

تلك أيضاً حقيقة، فتغيير واقع الجماعات والشعوب والدول والأمم إلى الأفضل، رهن بمشاركة الشباب في العمل والتقدم وفي الأفكار وفي تحمل المسؤولية.

وليس من الإنصاف أبداً أن يحتكر رسم مستقبل شباب اليوم، أناس لن يكونوا حاضرين في الغد..!

ما السبيل إذن لجسر الفجوة بين الشباب وصناع القرار؟

يقول موراتينوس: «إنها - كما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - في حشد الجهود من أجل إنقاذ المستقبل».

ذلك هو جوهر الهدف من إنشاء منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، فمنذ إطلاقه قبل 5 سنوات، وها هي نسخته الرابعة التي انعقدت الأسبوع الماضي على مدار 4 أيام، بعد غياب عام واحد بسبب تداعيات جائحة كورونا.

المنتدى، أقرب إلى قمة شبابية عالمية، ينظمها ويضع جدول أعمالها ويتحدث في جلساتها ويصوغ توصياتها، شباب من مختلف دول العالم، جاءوا في هذه النسخة من 197 دولة، في حشد هو الأكبر من نوعه على مستوى المؤتمرات الدولية وسط إجراءات احترازية صارمة.

بحضور جمع من قادة الدول وكبار الشخصيات العالمية، سواء بالمشاركة المباشرة أم عبر التطبيقات الإلكترونية، نوقشت في المنتدى قضايا السلام والتغيرات المناخية والتحول الرقمي والتنمية وعالم ما بعد الجائحة، بجانب موضوعات أخرى أهمها إعادة إعمار مناطق ما بعد الصراعات.

عادة، تتغلب التمنيات على التوقعات في محافل الشباب، لكن في هذا المنتدى تحديداً، لم تحلق تطلعات الشباب في فضاء سرمدي، يغفل عن نظام ظالم يسود المجتمع الدولي، تهيمن فيه الدول الكبرى على مصير الكوكب بسياساتها التي تناقض التزاماتها الدولية إزاء التغيرات المناخية، وتستبد بمصائر الشعوب المهتمة خاصة بأفريقيا في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس «كوفيد 19»، حيث لم تحصل القارة التي تضم قرابة 20 % من سكان العالم، سوى على نسبة 6 في الألف من إجمالي عدد اللقاحات.

كان من أبرز فعاليات المنتدى، جلسة المحاكاة الشبابية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث ظهر اتجاه تتبناه دول العالم الثالث، يقوم على نظرة شاملة لهذه الحقوق بمشتملاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واتجاه آخر لدى دول الغرب والمنظمات الدولية يختصرها في الحريات السياسية وحدها.

ومن أكثر ما لفت الانتباه في هذه الجلسة، مداخلة الرئيس السيسي، الذي انتقد ضمنياً سياسات الغرب في التعاطي مع قضية النازحين واللاجئين، متسائلاً: أليست الهجرة حقاً من حقوق الإنسان؟!.. ثم تساءل أيضاً عن حقوق الدول والشعوب التي انتهكتها قوى ودول تدخلت في شؤونها، ومارست التخريب والقتل، على نحو ما جرى في بلدان عربية.

لست أعوّل كثيراً ولا قليلاً، على أن تستفيق ضمائر القوى المهيمنة على القرار الدولي، إثر وخزات مناقشات الشباب في منتداهم بشرم الشيخ، ولا توصياتهم التي وعد أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة بأن تكون على رأس جدول أعمال المنظمة الدولية.

لكني أظن مظلة التقارب التي جمعت شباب 197 دولة في هذا المنتدى وسابقيه، وفي النسخ المقبلة، ربما تعطي بصيص أمل في مستقبل أكثر عدالة، حينما يأتي أوان تقلد هؤلاء الشباب المسؤولية في بلادهم، شريطة ألا يغلقوا مكاتبهم على أنفسهم، وآذانهم على مطالبات الأجيال الآتية، وهم يتساءلون: لماذا يتظاهر هؤلاء الشباب؟!!

Email