حروب الحدائق الخلفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سلط اتفاق روسيا والصين، على وصف الأحداث في كازاخستان بأنها «ثورات ملونة»، وإصرار الولايات المتحدة وحلف الناتو، على ضم أوكرانيا وجورجيا للحلف، بالإضافة إلى الحرص الشديد من جانب روسيا والصين، على تعظيم مكاسبهما السياسية والاقتصادية في أمريكا اللاتينية، سلط كل ذلك، الضوء على عودة القوى الكبرى لمفهوم «حروب الحدائق الخلفية»، الذي كان سائداً أثناء الحرب الباردة.

ومن يقرأ السلوك الصيني والروسي خلال السنوات الخمس الماضية، يتأكد له أن أمريكا اللاتينية، باتت جزءاً هاماً من «حروب الحدائق الخلفية» بين واشنطن من جانب، وبكين وموسكو من جانب آخر. ويواجه الرئيس جو بايدن، نزعة تزداد كل يوم ضد النفوذ الأمريكي التقليدي في أمريكا اللاتينية، نتيجة للدعم الصيني والروسي للمواقف والدول الرافضة للسياسات الأمريكية. فما الأبعاد التي يمكن أن تصلها تلك الحروب؟ وهل يمكن أن تتحول لساحة أزمات جديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر؟.

الرد بالمثل

تستعد موسكو للقيام بخطوات كثيرة، نتيجة لرفض واشنطن وحلف الناتو الاستجابة لمطالبها الأمنية، ومن تلك الخطوات، زيادة عدد جنود الجيش الروسي من مليون إلى 1.5 مليون جندي، ونشر صواريخ نووية في الغواصات، وتسليح القاذفات الاستراتيجية برؤوس نووية، وغيرها من الخطوات التي تراها روسيا ضرورية للرد على صواريخ الناتو.

لكن من أكثر الخطوات التي تنوي روسيا الرد بها على تمدد «الناتو» في دول الاتحاد السوفييتي السابق، هي العودة الروسية إلى المناطق «الرخوة سياسياً» في أمريكا اللاتينية، باعتبارها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.

وتتحدث وسائل الإعلام الروسية ليل نهار، عن ضرورة العودة إلى العمل من جديد مع كوبا، كما يجري الحديث عن إعادة نشر روسيا للقاذفات الاستراتيجية في فنزويلا، وتكرار ما حدث عام 2018، عندما أرسلت موسكو قاذفتين استراتيجيتين من طراز «تو 160»، إلى فنزويلا، لمنع غزو أمريكي في تلك الآونة، كما ضخت روسيا أموالاً ضخمة لحماية نظام الرئيس نيكولاس مادورو من السقوط، وتجاوزت المديونية الفنزويلية لروسيا نحو 10 مليارات دولار، ووصل الأمر بفنزويلا، أن منحت 49.9 % من أسهم أكبر شركة للنفط «سيتاغو» لروسيا. بمعنى آخر تريد روسيا أن تجعل من فنزويلا وكوبا بمثابة «أوكرانيا وجورجيا» في أمريكا اللاتينية.

نموذج نيكاراغوا

ظهرت حروب الحدائق الخلفية بين الصين والولايات المتحدة بشكل أكثر حدة، في 10 ديسمبر الماضي، عندما أعادت الصين العلاقة الدبلوماسية مع دولة أخرى، تناهض السياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية، وهي نيكاراغوا، فالمعروف أن حكومة نيكاراغوا، كانت اعترفت بحكومة تايوان، التي تراها الصين جزءاً من الأراضي الصينية، لكن حكومة بكين استغلت الخلافات بين رئيس نيكاراغوا، دانيال أورتيغا، والولايات المتحدة، ونجحت في دفع نيكاراغوا لقطع علاقتها مع تايوان، المدعومة من واشنطن، وأعادت العلاقات مع حكومة بكين، فالمخاوف الروسية من الاقتراب الأمريكي من حدودها، تراه الصين بشكل أكثر، خطورة على مبدأ «الصين واحدة».

تعتقد الصين أن السلوك الأمريكي الداعم لهونغ كونغ وتايوان، وزعيم التبت، ورفع صفة الإرهاب على ما يسمى «الجيش التركستاني»، والتدخل في بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، كلها سياسات أمريكية تستوجب الرد على واشنطن بالقرب من أرضيها.

وتستفيد الصين من أدواتها الاقتصادية، في تعميق علاقاتها بدول أمريكا اللاتينية، ليس فقط الدول التي تختلف في مواقفها مع الولايات المتحدة، مثل كوبا وفنزويلا ونيكارغوا، بل حتى الدول الصديقة للولايات المتحدة، مثل شيلي والبرازيل، فالصين أزاحت الولايات المتحدة، وأصبحت الشريك التجاري الأول لأمريكا اللاتينية، منذ عام 2018، كما أن حجم المساعدات الصينية لدول أمريكا اللاتينية، خلال جائحة «كورونا»، كان ضعفي المساعدات الأمريكية.

نهاية مونرو

ذهاب الولايات المتحدة بعيداً عن حدودها، والاقتراب أكثر من حدود الصين وروسيا، أنهى عملياً «مبدأ مونرو»، للرئيس الأمريكي الخامس، جيمس مونرو، الذي أعلنه في 2 ديسمبر 1823، وجعل فيه أمريكا اللاتينية الحديقة الحصرية للمصالح الأمريكية، مقابل عدم تدخل الولايات المتحدة في السياسة العالمية خارج ضفتي المحيطين الهادئ والأطلنطي. نعم، المشهد الحالي يطلق العنان لجيل جديد من حروب «الحدائق الخلفية».

Email