شخصيات تحت المجهر

الدكتورة ثريا أحمد عبيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منطلق أن المرأة نصف المجتمع، وأنها الركيزة الأساسية لبنية اجتماعية قوية ومتطورة، حظيت المرأة السعودية باهتمام القيادة السياسية، ضمن خطط البلاد التنموية المتتالية، منذ بواكير تأسيس المملكة وتوحيدها، فلم يتوقف دعمها وتوفير سبل الرعاية الصحية والتعليمية والخدمية لها، وهكذا برزت أسماء لسعوديات رفعن اسم بلدهن عالياً في المحافل المحلية والإقليمية والدولية.

إحدى هؤلاء هي الدكتورة ثريا عبيد، أول سعودية تبتعث للخارج، وأول حاصلة على الدكتوراه، وأول متخصصة في الإنثروبولوجيا الثقافية، وأول عربية تقود إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وأول سيدة تترأس لجنة من لجان مجلس الشورى السعودي، وأول سعودية تكرم في مهرجان الجنادرية.

سيرة

ولدت ثريا ببغداد في مارس 1945 لأبوين من المدينة المنورة، والدها هو الأديب أحمد عبيد محمد عبيد (ت: عام 1994)، الذي تقلب في وظائف حكومية عديدة، من بعد تخرجه من مدرسة اللاسلكي، قبل أن يتقاعد وينصرف إلى النشاط الأدبي والصحفي وأعمال الطباعة والنشر، أما سبب ميلادها ببغداد فلأن والدتها وقت حملها لها كانت في زيارة لشقيقها درويش الخطيب، الذي كان مقيماً بالعراق ويعمل تاجراً ما بين بغداد والمدينة المنورة، فوضعتها هناك.

ولأنها ولدت في عائلة منفتحة تقدر العلم، فقد ألحقها والدها في سن الثالثة بأحد الكتاتيب التقليدية بمكة. وفي سن السابعة ألحقها بالقسم الداخلي للبنات في الكلية الأمريكية بالقاهرة، حيث أنهت مراحل تعليمها النظامي الثلاث عام 1963م، وقتها كانت تكاليف الدراسة باهظة وثقيلة على عائلتها، فتقدمت ثريا إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز بطلب منحة دراسية، فجاءتها الموافقة المشروطة، ضمن رسالة من الملك ورد فيها: «ستكونين الفتاة السعودية الوحيدة الحاصلة على منحة دراسية في أمريكا حتى تنتهين من التعليم الجامعي، فإذا نجحت فتحتُ الأبواب، وإذا فشلت أغلقتها» (طبقاً لما ورد في مقال عنها بمجلة القافلة عام 2010).

ما حدث بعد ذلك هو أن ثريا نجحت بتفوق وتقرر عام 1965 منحها بعثة لإتمام دراستها الجامعية والعليا بالولايات المتحدة مع زميلاتها فاتنة أمين شاكر، ومديحة درويش، وبلقيس ناصر، وهدى الدباغ، وبهذا كانت ثريا على رأس قائمة الفتيات السعوديات اللواتي حصلن على منحة للدراسة في الخارج، في زمن كان الابتعاث فيه مقتصراً على الذكور.

وهكذا شقت طريقها في التعليم الجامعي عبر الالتحاق أولاً بكلية ميلز للفتيات في أوكلاند بكاليفورنيا عام 1966م، والتي منحتها ليسانس آداب اللغة الإنجليزية مع تخصص فرعي في علم الإنثروبولوجيا الثقافية، ثم نالت في عام 1968 درجة الماجستير في التخصصين ذاتهما من جامعة وين الحكومية في ديترويت بولاية ميتشيغان، وبعد ذلك واصلت دراستها في الجامعة الأخيرة حتى نالت الدكتوراه عام 1974م.

في عام 1975 بدأت رحلتها العملية، ففيها تمّ تعيينها بالأمم المتحدة مسؤولة عن برامج المرأة والتنمية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) بمقرها آنذاك في بيروت، واستمرت تعمل هناك حتى عام 1982، فعاصرت كل الأحداث الجسيمة التي مرت على لبنان، وحينما تقرر نقل «الأسكوا» من بيروت إلى بغداد انتقلت ثريا وأسرتها الصغيرة إلى المدينة، التي ولدت بها، وظلت تقيم بها إلى تاريخ اجتياح العراق للكويت سنة 1990.

تداعيات

انشغال العالم بقضية الغزو العراقي للكويت، وتداعياتها الأمنية الخطيرة أدى لتوقف أنشطة «الأسكوا» مؤقتاً، ما منح ثريا فرصة للعودة إلى وطنها لتبقى بجانب والدها المسن.

وقتها حاولت أن تخطط للبقاء طويلاً في السعودية، عبر الحصول على وظيفة مناسبة، إلا أنها لم توفق لأن مؤهلاتها كانت أعلى من متطلبات أي وظيفة (كما قالت بنفسها في محاضرة لها بجدة عام 2009).

ولهذا السبب، غادرت السعودية للعمل مجدداً مع «الأسكوا» بمقرها الجديد في الأردن، بوظيفة رئيسة شعبة التنمية الاجتماعية للسكان، وظلت ممسكة بهذا المنصب من 1992 حتى 1993، وما بين عامي 1993 و1998 شغلت منصب نائب الأمين العام التنفيذي «للأسكوا».

بعد ذلك انتقلت للعمل والإقامة بمدينة نيويورك، وكان السبب أن السفير السعودي لدى الأمم المتحدة وقتذاك فوزي عبدالمجيد شبكشي رشحهاــ بموافقة الملك فهد ــ للإمساك بمنصب قيادي في الأمم المتحدة هو منصب وكيل الأمين العام والمدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للإسكان، الذي تنافس عليه خمس شخصيات من دول مختلفة، وفي أعقاب مقابلات شخصية أجراها الأمين العام كوفي عنان مع المترشحين، وجد أن الأكفأ لشغل المنصب هي ثريا عبيد، فاختارها بناء على توصية لجنة متخصصة، لتتولى مسؤوليات هذا المنصب الأممي الرفيع خلال السنوات من 2000 إلى 2010.

ومما أنجزته خلال مشوارها الوظيفي هو إيلاؤها اهتماماً خاصاً بمسألة النهوض بالمرأة السعودية والعربية والشرق أوسطية، ومساواتها وتمكينها وتطوير قدراتها وتوعيتها بحقوقها وواجباتها، وتوفير سبل الحياة الكريمة أمامها، ونجحت في ذلك من خلال وضع أطر للتعاون ما بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية المعنية من جهة، وبناء شراكات ما بين الأمم المتحدة وهذه الحكومات والمنظمات من جهة أخرى.

ومن هنا وجدناها، وقت انتقالها لشغل منصبها الجديد في نيويورك، تقول بفخر: «أردت من دخولي هذا الصندوق أن أدخل البعد الثقافي والقيمي لقضية السكان، فقد أصبح لدينا- ولله الحمد- برنامج حول الثقافة ودور الثقافة المحلية في قضايا التنمية، وأدخلنا العقلانية إلى هذا البرنامج، وحصلنا على ثقة الدول، التي تشعر أننا نحترم الثقافة ونحترم القيم الروحية والدينية ونعمل من أجلها».

بعد تقاعدها من العمل، استقرت بالسعودية، وكرمتها الدولة باختيارها ضمن 30 سيدة لعضوية مجلس الشورى، فشغلت مقعدها بالشورى في الفترة ما بين 2012 و2016، وتولت عام 2015 منصب رئيس لجنة حقوق الإنسان، فكانت أول امرأة تترأس لجنة من لجان مجلس الشورى، كما كرمتها الدولة بمنحها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، خلال مهرجان الجنادرية لعام 2013.

Email