في تونس.. «أول الغيث قَطْرٌ»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثّل لقاء الرئيس التونسي قيس سعيّد بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد العمّال) نورالدين الطبّوبي الحدث السياسي الأبرز، حيث تمّ اللقاء يوم السبت الماضي، بعد جفوة دامت شهوراً وذلك نتيجة مؤثّرات مورست فيما يبدو على الرئيس من أطراف تحيط به وترفض جملة وتفصيلاً مختلف الوسائط الحزبية والمجتمعية، وهي تصوّرات لا تزال تلقى بعض القبول لدى الرئيس التونسي الذي يريد إعادة بناء الدولة والمجتمع في ظروف مثالية، الشّيء الذي يبدو من الناحية السياسية والواقعية مستحيلاً لتطبيق دفعة واحدة وهو من ناحية المنطقية لن يكون بحالٍ نقطة انطلاق وإنّما يكون هدفاً لسياسات يأمل الجميع أن تكون في مصلحة الوطن والمواطن.

وجاءت كلمة الرئيس التونسي في مستهلّ اللقاء معبّرة عن تحوّلٍ محمودٍ في رؤيته للعلاقة مع منظمة وطنية من الصعب بل من المستحيل تجاوزها لارتباط مواقفها وسياساتها بلُبّ ما هو مطلوب سياسياً ووطنياً في تونس.

وجاء اللقاء بعد إصدار اتّحاد العمّال بياناً مهمّاً الجمعة بمناسبة إحياء ذكرى رحيل رأس النظام السابق في 14 يناير 2011 مجدّداً لمواقف الاتحاد الثابتة من التحوّلات السياسية في تونس وأكّد فيه بالخصوص «أنّ ما حدث يوم 25 يوليو 2021، جاء استجابة للإرادة الشعبية وتجسيماً لدعواته ودعوات أطياف سياسية واجتماعية كثيرة لإنهاء التجاذبات العقيمة وعمليات التعطيل الممنهجة لأجهزة الدولة ودواليبها وإيجاد الحلول للأزمة السياسية الخانقة التي تفاقمت بعد انتخابات 2019، غير أنّ الاتحاد، وإن اعتبرها خطوة مهمّة لكنّه أكد أنها في حاجة إلى تحويلها إلى مسار وذلك عبر مطالبة رئيس الجمهورية بتقديم خارطة طريق واضحة تحدّد المهام والمضامين والأهداف وخاصّة ما تعلّق بتنقيح الدستور والنظام الانتخابي وتعديل الهيئات الدستورية ومراجعة قانون الجماعات المحلية مع ضبط الآجال لإنهاء المرحلة الاستثنائية من خلال انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تعيد للمؤسّسات اعتبارها وتجسّم استقلالية السلطات الثلاث.

وترسي في البلاد استقراراً سياسياً يدفع إلى البناء بعد الإنقاذ ويسهم في حلّ المعضلات الاقتصادية والاجتماعية المستشرية باعتبارها أولويات لا يجب التأخير في معالجتها» فضلاً عن ضرورة الالتزام التامّ باحترام القانون وضمان الحقوق والحريات الفردية والجماعية وفي مقدّمتها حقوق التظاهر والتعبير وحرية الإعلام واستقلاليته.

وقد أسرّ لنا الرجل الأوّل في الاتّحاد نورالدين الطبّوبي أمس أنّ «اللقاء مع الرئيس كان إيجابياً للغاية ومثّل فرصة الاتحاد كي يخاطب الرئيس بالوضوح التامّ والمطلوب وهو لقاء يؤشّر على رغبة الرئيس في خلق أُطر حوار وشراكة مع منظمات المجتمع المدني والطيف السياسي الوطني والمدني، وهو إلى جانب ذلك لقاء يقطع الطريق أمام القوى التي تسعى إلى تدمير الدولة والمجتمع والتي كادت أن تنجح في مسعاها لولا المسار التصحيحي ليوم 25 يوليو الماضي».

وكانت «النهضة» وبعض الطيف السياسي الذي نجحت الحركة الإخوانية في استقطابه يراهنون على استمرار الرئيس في رفضه التعاطي مع الوسائط الحزبية والمجتمعية وخصوصاً مع الاتحاد العام التونسي للشّغل من أجل حَمْلِ الاتحاد على الانضمام للحراك المعادي للمسار التصحيحي لـ25 يوليو، لكنّ رهانهم سقط في الماء وبصفة نهائية خصوصاً إذا كان اللقاء بين سعيّد والطبوبي جاء نتيجة مراجعة فعلية واستراتيجية لمواقف من الاتحاد ومن مختلف الوسائط الوطنية والمدنية لأنّ ذلك من شأنه أن يزيد في عزلة حركة النهضة الإخوانية ويقوّي في المقابل الجبهة الوطنية الديمقراطية الداخلية ويفسح المجال أمام مَنْ خلصت نواياهم وكذلك البعض ممّن ضلّلتهم أو أغوتهم حركة النهضة الإخوانية كي يعودوا إلى جادّة العمل الوطني والديمقراطي بعيداً عن التوظيفات التي تهدف أساساً إلى إعادة إنتاج الدمار الذي تسبّبت فيه لتونس الحركة الإخوانية ومن حالفها في الفكر وفي السياسة.

ومع اقتناعنا التامّ أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يبقى عصيّاً عن كلّ توظيف حزبي وخصوصاً من قِبَلِ حركة النهضة الإخوانية وهو الذي احترق بنار الاعتداء عليه ذات يوم 4 ديسمبر 2012 وهي شبهة علقت بها، إضافة إلى مساعيها المتكرّرة لتقويض بناء الاتحاد من الداخل وهو ما دفع الاتحاد إلى الصمود أمام كلّ هذه الضغوطات الداخلية والخارجية من أجل دفعه إلى مواجهة مع الرئيس لن تستفيد منها سوى حركة النهضة الإخوانية، وهو ما يدفعنا إلى القول بأنّ التحوّل لموقف الرئيس من الاتحاد العام التونسي للشغل هو عامل من شأنه أن يوسّع دائرة الخير حول تونس.. وأوّل الغيث قَطْرٌ كما يُقالُ.

Email