دبي في ليلة الجمعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت محظوظاً أنني زرت دبي في فترة رأس السنة الميلادية، وكنت أكثر حظاً أن مقر إقامتي كان قرب برج خليفة، في هذه الليلة، أي ليلة الجمعة التي وافقت رأس السنة الميلادية.

 تحولت المنطقة المحيطة ببرج خليفة إلى نقطة ضوء عالمية يترقبها الملايين، مثلها مثل المدن العالمية الكبرى في الغرب أو الشرق.

في هذا اليوم تألفت كل العوامل لتصنع منه يوماً استثنائياً من أول هطول المطر صباحاً نهاية بتجمع مئات الآلاف حول البرج ليلاً، مروراً بنظام استثنائي جعل اليوم يمر على خير وبأفضل صورة ممكنة.

أقمت في دبي عشر سنوات من فبراير 1998 إلى 28 سبتمبر 2008، لكن دبي التي كنت أعرفها، اختلفت تماماً عن تلك التي رأيتها في السنوات الأخيرة، خصوصاً ليلة الجمعة الماضية.

كنت أحد الشهود الذين عاصروا بناء برج دبي يوماً بعد يوم، وكذلك المنطقة المجاورة له ومعظم معالم نهضة دبي الحديثة.

كنت أمر يومياً في شارع الشيخ زايد في طريقي من إمارة الشارقة حيث أسكن إلى صحيفة البيان حيث أعمل، وكنت أرى البناء يرتفع يوماً بعد يوم.

في هذا الوقت كانت دبي بأكملها تقريباً وليس فقط منطقة البرج واحدة من أكبر ورش العمل في العالم. لم أتخيل مطلقاً حينما عدت في المرة الأخيرة أن تكون هذه المنطقة بمثل هذا الرقي والتقدم والتخطيط. بحيث إنها تضاهي وربما تزيد عن العديد من المدن الأوروبية المصنفة الأرقى والأفضل.

 خلال الأسبوع الماضي ترددت على هذه المنطقة أكثر من مرة. واكتشفت كيف صارت جاذبة للملايين من كل الجنسيات.

صباح يوم الجمعة كانت المنطقة هادئة جداً. أمطار غزيرة تسقط، وكأننا في مدينة أوروبية أو أمريكية، ثم فجأة سطعت الشمس.

في المساء وبدءاً من السادسة مساء، تحول جزء من شارع الشيخ زايد إلى نهر متدفق من البشر، معظمه ينزل من محطات المترو، في اتجاه برج خليفة ليشهد اللحظة الحاسمة أي الانتقال من عام 2021 إلى عام 2022.

كنت أسير في هذا الشارع في تلك اللحظات ورأيت خليطاً من كل البشر. أوروبيون بيض وأفارقة سود، وآسيويون صفر وعرب وهنود قمحاويون.

رأيت وجوهاً تعكس كل الطبقات والأفكار والمذاهب والأديان والعرقيات وربما هذا ما يميز دبي التي صارت بوتقة ينصهر فيها الجميع ليخرج لنا هذا المزيج الفريد.

كانت هناك أسر بكاملها الكبار والشباب والأطفال، كان هناك رجل وزوجته، أو مجموعة أصدقاء من الشباب والشابات، كانوا ينزلون من المترو، بعضهم يتجه إلى منطقة البرج مباشرة، إذا كانوا من سعداء الحظ الذين تمكنوا من حجز مكان بأحد الكافيتريات أو المطاعم المحيطة بالبرج. ومن لم يبكر فقد حاول حجز مكان في أي شارع جانبي، بحيث يمكن من خلاله رؤية البرج.

طوفان البشر من كل حدب وصوب أغلق شوارع بكاملها في المنطقة المحيطة بالبرج. ويحسب لشرطة دبي وبقية الأجهزة والمؤسسات ذات الصلة حسن تنظيمها لهذا الحدث السنوي الاستثنائي، خصوصاً في أماكن السير والالتزام بالإجراءات الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا.

سألت نفسي، ما الذي يدفع الملايين للنزول إلى الشارع لرؤية ألعاب نارية يتم إطلاقها بمناسبة رأس السنة؟!

لكن حينما رأيت السعادة في وجوه الجميع.

أدركت أن الأمر لا يتعلق بالألعاب النارية أو حتى مجرد الطقوس الاحتفالية، لكنه النموذج الذي رأيته في دبي مساء الجمعة الماضية يعكس الرغبة الإنسانية في الفرح والحياة.

والتماهي مع الروح التي بثتها دبي والإمارات في نفوس كل هؤلاء والبوتقة التي انصهروا فيها تلك الليلة، وكانت رسالتها الرئيسية تقول إن الأصل في الحياة هو أن يعم السلام والفرح والأمن العالم بأكمله، وليس الصراع والحروب والدمار.

شكراً لدبي وللإمارات على هذه الليلة المتميزة والاستثنائية.

 

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

 

Email