«اللهم اجعله خيراً..!»

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا العام 2022، يحمل ذكريات مصرية تقبل القسمة على عشرة، مثلما يحمل مناسبات لا تقبل القسمة على اثنين..!

تمر في هذا العام الذكرى 140 على الاحتلال البريطاني لمصر.

وتمر الذكرى المئوية لانتهاء الحماية البريطانية وإعلان استقلال مصر (اسمياً) بتحولها من سلطنة إلى مملكة، وفقاً لتصريح 28 فبراير 1922، الذي نص على اعتراف بريطانيا بمصر دولة ذات سيادة.

أيضاً تمر الذكرى السبعون لثورة 23 يوليو 1952، التي ألغت النظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري، وأطلقت المشروع الوطني التنموي، وغيرت خريطة المجتمع المصري، وألهمت قوى التحرر والاستقلال في آسيا وأفريقيا والمنطقة العربية.

وهذا العام حافل بمناسبات مصرية كبرى، وأهمها افتتاح المرحلة الأولى للعاصمة الإدارية التي يُجرى الاستفتاء على اسمها عبر مواقع حكومية للتواصل الاجتماعي، وانتقال مؤسسات الحكم إليها في احتفال حاشد مطلع الصيف المقبل، وكذلك افتتاح مشروع التجلي الأعظم في الوادي المقدس «طوى» بقلب سيناء، حيث كلم الله موسى تكليماً، واصطفى جلَّ وعلا تلك الأرض ليتجلى عليها بنوره فوق الجبل فجعله دكاً، ثم افتتاح المتحف المصري الكبير الذي يحوي أهم كنوز الحضارة المصرية القديمة، وأبرزها كنز الفرعون الذهبي «توت عنخ أمون» الذي تحل الذكرى المئوية لاكتشاف مقبرته هذا العام أيضاً. كمصري تفتحت مداركه طفلاً على حرب الاستنزاف، ورحيل الزعيم جمال عبدالناصر، ثم نصر أكتوبر وما تلاه من سنوات الفرص الضائعة، أشعر ببهجة غامرة، وأنا أشاهد على أرض بلادي نهضة هائلة في البناء والعمران من سيناء إلى شرق العوينات ومن العلمين إلى توشكي، ومن العاصمة الإدارية وعلى امتداد الوادي في صعيد مصر حتى أسوان.

تعود بي الذاكرة إلى أول لقاء خاص جمعني بعد ثورة يناير باللواء عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية وكان ذلك في مطلع ربيع عام 2011، حين استمعت إليه يتحدث عن رؤيته لمستقبل مصر، وثقته بقدرة شعبها على الانطلاق بها إلى حيث تستحق من مكانة. يومها.. طلب مني ومن صديق جمعنا به اللقاء، أن نفتش بين النخبة السياسية المصرية، عن شخصية مدنية وطنية، أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد مثلاً، يحظى بشعبية ومؤهل لقيادة بلد لحكم مصر، لكي نقف خلفه مرشحاً توافقياً لخوض انتخابات الرئاسة في عام 2012. احترت وصديقي في البحث عن تلك الشخصية في أذهاننا، وحينما أخذنا نفرز الشخصيات التي أعلنت عن رغبتها في الترشح للرئاسة، وجدنا بعضها غير مؤهل وبعضها نقيضاً لكل ما هو وطني وشريف..! وكان أن ماجت عواصف السياسة في تلك الأيام الغائمة، ونجح الإخوان عبر الخديعة في اعتلاء سدة الحكم، ثم جرت الأمور في عام حكم المرشد على نحو ما هو معروف للكافة، حتى أطاحت بهم ثورة 30 يونيو.

بعد الثورة بثلاثة أسابيع، التقيت الفريق الأول السيسي القائد العام للقوات المسلحة في لقاء خاص لم يكن للنشر، وأبدى رداً على سؤال لي عما إذا كان يفكر في الترشح، رفضه التام لهذه الفكرة، قائلاً إن منتهى طموحه قد تحقق بإنفاذ إرادة الشعب المصري، ثم أعطاني وريقات زرقاء سطر عليها بخط يده بياناً يعلن فيه أنه لا يفكر في الترشح لرئاسة الجمهورية، ولا يطمح إلى حكم البلاد، وقال لي إنه يعتزم إعلان البيان في نشرة الأخبار الرئيسة بالإذاعة المصرية بعد ساعتين.

انتابني قلق شديد مما أسمع من قائد الجيش الذي تحول بين عشية وضحاها إلى بطل شعبي بعد بيان الثالث من يوليو 2013، ورجوته أن يلغي هذا الإعلان أو على الأقل يرجئه، فقد تحتم ظروف أمن البلاد عليه ضرورة خوض الانتخابات، أو تجبره ضغوط الشعب على الترشح لقيادة البلاد. واستعنت بعد خروجي من مكتبه بشخصيات أعلم مدى اقترابها منه لإثنائه عن قراره.

تدافعت مطالبات الشعب، ونداءات الجماهير للسيسي في الشهور التالية من أجل الترشح، ولم يملك أمامها في النهاية إلا الاستجابة. وكان ما كان من اكتساحه الانتخابات وتسلمه مقاليد السلطة يوم 8 يونيو 2014. سواء كنت عربياً تسمع مجريات ما يتم على أرض مصر، أو مصرياً تشاهد عبر شاشات التلفزيون الإنجازات التي تفوق سقف توقعات أشد المتفائلين بالسيسي قبل ثماني سنوات مضت، فإن ذلك لا يكفي لتعرف قدر ما تحقق ويسعد كل عربي ومصري. فليس من سمع كمن رأى، وليس من رأى كمن شاهد بعينيه ولمس على أرض الواقع. ثمة مشروع وطني لبناء دولة حديثة يُجرى تنفيذه بهمة ونشاط، بعد مشروعي محمد علي وعبدالناصر، ولعله أعلى طموحاً..! يدرك السيسي عوامل نهوض دولتي محمد علي وعبدالناصر، ودرس يقيناً أسباب سقوط المشروعين، ولذا يتحسب من الخوض بالبلاد إلى مصائد أو انجرافها إلى مكائد تستهدف إسقاط المشروع الوطني الثالث. عند المصريين عادة، إذا استبد بهم الفرح وضحكوا من قلوبهم، فإنهم سرعان ما يتطيرون من شر يقبل ويقولون: اللهم اجعله خيراً..! ربما لهذا يقتصدون في إبداء البهجة لما يرون، ويقينهم في الله أن يفيض على بلادهم بخير أقداره.

Email