النزعة الذئبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زال السؤال مطروحاً على البشرية: هل الإنسان خيّر أم شرير؟، هناك من يعتقد بأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان..

إذا كان الإنسان يستأنس بعواء الذئب في البرية، ويرتعب من صوت إنسان، على قول الشاعر العربي الأحيمر السعدي:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير

وإذا كان الإنسان في حقيقته ذئباً لأخيه الإنسان، فإن العيش بين البشر أمر مستحيل، دون لجم الذئبية فيهم، والتي ترتدي أشكالاً متعددة من العنف.

ولهذا، ولكي يكون التعايش ممكناً بين الناس، فقد صاغ البشر جملة من القيم المشتركة، وصارت مع الأيام جملة من المعايير، يجب الالتزام بها.

فقيم المحبة والإيثار والتعاطف والسلم والأمان والتعاون والصدق والوفاء، وما شابه ذلك من قيم، فضلاً عن ذم الكذب والخداع والقتل، وكل أنواع الإيذاء، كل هذا من أجل الحد من الذئبية. ولقد اشترك في صياغة هذه القيم بأحكام واضحة، حكماء ما قبل الميلاد، والفلاسفة، والأنبياء، وصيغ بعضها في جملة قوانين ملزمة للسلوك.

غير أن البشرية لم تبرأ من الذئبية ومظاهرها، فما زالت الحروب منذ نشأة المجتمعات حتى الآن مستمرة، سواء كانت حروباً أهلية، أو حروباً بين الدول، والصراعات على الثروة لم تنتهِ، وأضيف إليها الصراعات الناتجة عن المعتقدات والأيديولوجيات النافية لبعضها البعض الآخر.

والحق أن الاستسلام لاستمرار الشر الواقعي بكل صوره الواقعية والممكنة، أمر يمنح الشر القدرة على إفساد الحياة المجتمعية والبشرية.

ولسنا بحاجة لأن نضرب الأمثال عن حضور الشر في عالمنا، قديمه وحاضره.

بل إن التأمل في حال عالمنا المعاصر، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، يخلق من الدهشة بما لم يخطر على بال، فشرقنا العربي غارق في محنة الاقتتال، الذي يرتدي ثوب الاقتتال المذهبي، ومن النادر أن تجد مكاناً في العالم، لم يشهد حالات عنف أيديولوجي أو قومي أو ديني.

والاستسلام لهذا الشر، كما قلنا، لا يليق بالعقل الإنساني، ولهذا، فإن العقل لا يني يخوض معركة البحث عن المشترك الإنساني، عن القيم المشتركة، والدفاع عنها، والسعي لأن تتحول إلى نمط حياة للبشرية. وإذا كانت الأهداف الكبرى ذات الطابع الإنسانوي بطيئة التحقق، وصعبة، فإن هذا يجب ألا ينتج تشاؤماً لدى النخبة والفاعلين الاجتماعيين، بل على العكس، يجب أن نوطن الإرادة الخيرة على عدم اليأس والقنوط.

والسؤال الحقيقي الذي ما زال سؤالاً ممضاً: كيف تأتى أن تصبح الأيديولوجيات، بما هي نتاج العقل، أساساً لتحطيم القيم المشتركة بين الناس؟ وقِسْ على ذلك، كيف صار الدين الممتلئ بالقيم الخيرة، أساساً للصراعات بين المختلفين؟.

لا شك أن الجواب عن هذا السؤال سهل جداً عند أهل العقل: الصراع على الثروة، والرغبة في الهيمنة واحتكار السلطة، والعصبيات على أنواعها، كل ذلك يقف وراء ما نراه من شر. غير أن هذا الجواب، لا يقول لنا شيئاً عن الخطاب الذي يقف وراء هذا الشر. فخطاب القتل، أخطر من القتل نفسه.

من هنا، تبرز أهمية تأسيس خطاب متجاوز للخطابات المؤسسة للوعي الزائف بالحياة. خطاب يصوغ المشترك الإنساني، على نحو يكون فيه قادراً على خلق نزوع إنسانوي نحو التعايش، بلا خطاب يبرر العنف والقتل والهيمنة والحروب.

 

* كاتب وأكاديمي فلسطيني

Email