الشتاء عدس وكستناء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشتاء للبعض سهر ودفء وأحاديث وكستناء. وللبعض، ولنقل البعض الكثير، برد وعدس ونوم مبكر وانزواء. في الشتاء يقصر النهار، ومن لا يستيقظ مع الشمس ويواصل النوم يخسر نصف حصته من اليوم. 

في ديار الذين لا تدفئة مركزية في بيوتهم، وبالكاد يحصلون على الغاز أو الكاز، ثمة مدافئ طبيعية توارثوها عن الآباء والأجداد. وأهمها «العدس». ثمنه قليل وفوائده كثيرة. 

وحسب خبراء التغذية فالعدس مصدر مهم للبوليفينولات وهي مركبات نشطة تمتاز بخصائصها المضادة للأكسدة، ومصدر جيد للحديد وللألياف الغذائية، ومفيد لصحة القلب، ومصدر غني للبروتين النباتي ومنخفض السعرات الحرارية. 

وأظهرت البحوث أن تناول العدس بانتظام قد يساعد على الوقاية من مرض السكري والتحكم فيه. وقد يقلل معدلات الغلوكوز في الدم والدهون، ويدعم استقلاب البروتينات الدهنية لدى مرضى السكري والأصحاء على حد سواء. 

طبعاً، ليس لهذه الأسباب العلمية يتناول الفقراء العدس، سواء في الصيف أو في الشتاء فهو أكلتهم المُجبرة. منه يعدون «المجدرة» الأكلة الأطيب من بين طرائق إعداده المتعددة، إذ يسلق العدس إلى ما قبل النضوج بقليل ثم يضاف إليه الأرز أو أحياناً شقيقه البرغل وكلاهما ينقعان بالماء الساخن مسبقاً. 

«المجدرة» لا تؤكل وحدها بل توابعها تزيدها جمالاً، طعماً وشكلاً، مخللات من خضراوات متنوعة كل في طبق مستقل، خيار، لفت، زهرة، ملفوف، وكلها باللون الوردي بفعل صبغة خاصة بالطعام. بجانبها طبعاً البصل الأخضر، سيد المائدة. 

ليست المجدرة وحدها ساحة العدس بل لشوربته مكانتها في موائد الشتاء. وهذه يتفق عليها الأغنياء والفقراء. هؤلاء، الأغنياء، يبدأون بها وجبتهم أما أولئك، الفقراء، فهي كل وجبتهم. يصبون الشوربة والعدس الذائب فيها في طبق كبير، يضيفون إليها فتافيت الخبز حتى «تترنخ» ثم يستدعون مخللات المجدرة الشهية. 

«روح يا ولد العب، بدك فت عدس لتصير زلمة»، كثيراً ما كنا نسمعها من الكبار ونحن فتيان، لم ينبت شعر ذقونهم أو شواربهم بعد، حينما كان أحدنا يتدخل في أمر يتحدث فيه الكبار. ربما كان أكل العدس مقياس الرجولة عندهم أو كناية عن دور العدس في بنية الجسم. وربما لا هذه ولا تلك. فلم يفسر لنا أحد الكبار ماذا يقصد بها! 

الفقراء ينامون مبكراً ليحلموا بأحلام سعيدة. الأغنياء يجدون في السهر متعة فمنهم من تحققت أحلامه ومنهم من بلا حلم ومن حقه أن يتمتع بما وجده جاهزاً منذ ولادته. وهم يتبعون قول عمر الخيام «فما أطال النومُ عمراً.. ولا قصّر في الأعمار طول السهر»، وخاصة بصوت أم كلثوم. على الرغم من أن العلم أثبت عكس ذلك. 

 على طقطقة حطب المواقد تنضج كستناؤهم، تعلو ضحكاتهم، ولا حاجة بهم لرؤية مشاهد الدم والدمار على شاشات الفضائيات. ولا يعنيهم التوتر الروسي الأمريكي الغربي بشأن أوكرانيا. ولا متى ستنفجر الحرب العالمية الثالثة التي تدق طبولها بين الصين وأمريكا وحلفائها. 

 لأن الناس غير متساوين في الرزق فمنهم من ينام في فراش دافئ ومنهم من يدفئ بجسده الفراش. ولكن حطب ومواقد الدنيا لا تدفئ قلباً لا يعرف الحب، الحب بكل أنواعه وأشكاله. 

يقولون إن على الأرض لم يعد غذاء يكفي ساكنيها، أما الحقيقة فإن ثمة غذاء وماء كثيراً ولكن لم يعد ثمة حب يكفي!

 * كاتب أردني

Email