الشعب يحتاج ديمقراطية حقيقية تواكب العصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الـ 17 من مارس 2021 علم عدة قرويين من قرية قوانكه ببلدة بايشي بمحافظة يانغشين التابعة لمقاطعة هونان الصينية أن الدولة خصصت للقرية مخصصاً مالياً قدره 700 ألف يوان لدعم الإنتاج ومساعدة الفقراء. اقترح هؤلاء القرويون تخصيص هذا المبلغ للمساهمة في تعاونية لزراعة البرتقال في القرية. طرح الفرع الحزبي العام بالقرية المقترح، وبعد مناقشة لجنة القرية، رفع للمداولة على مستوى مؤتمر أعضاء الحزب بالقرية، وبعد قرار جماعي من المؤتمر العام للقرية وتقريره، علق به إعلان لإبلاغ القرية بكاملها، وتم الإعلان في الوقت عن تفاصيل صرف المبلغ المالي في كل مرحلة. وحصدت القرية حصاداً وافراً من زراعة البرتقال، وأصبحت هذه الزراعة ركيزة إنتاجية للقرية بكاملها ومصدراً مهماً للدخل للقرويين. تمثل مسار تقرير وتنفيذ مشروع قرية قوانكه في اقتراح من طرف الفرع الحزبي بالقرية ومناقشة «اللجنتين» على مستوى القرية ومداولة المؤتمر العام لأعضاء الحزب وقرار اجتماع القرية، وهو ما يعني أربعة مستويات من التشاور، ثم إعلان كل القرارات والنتائج التنفيذية على التوالي، وسمي بـ«مستويات التشاور الأربعة والإعلانان».

إن انطلاقاً من قرى وأرياف ومحافظات ومدن ومقاطعات الصين أسس الجميع هكذا آليات ديمقراطية لاتخاذ القرار ومناقشة الشؤون الرسمية، حيث تجسدت سلسلة ديمقراطية كاملة الحلقات يتخللها الاقتراع والتشاور والتقرير والتسيير والرقابة، وتحققت شمولية المحتوى الديمقراطي. ويشمل ذلك القضايا الكبرى المتعلقة بالتنمية الوطنية ومعضلات الحوكمة الاجتماعية وتفاصيل يوميات عامة الشعب. وحققت تغطية شاملة للركيزة الديمقراطية، ورسمت بأبعاد متعددة الدوائر الانتخابية التي تمثل الشعب انطلاقاً من المناطق الإدارية وعدد المواطنين ومختلف القطاعات، أما حين يتعلق الأمر بنقاش المواضيع الكبرى فيتم اللجوء إلى منصات الإنترنت ليشارك الجميع عبرها في النقاش.

منذ العصر الحديث سبق أن جربت الصين على التوالي الملكية الدستورية والنظام الجمهوري البرلماني والنظام الرئاسي وغيرها من الديمقراطيات الغربية، لكن جميع هذه المحاولات أفضت إلى طريق مسدود لعدم تمكنها من التأقلم مع الصين. وفي نهاية المطاف اختار التاريخ والشعب الصيني الديمقراطية الشعبية المتكاملة العلمية ذات الخاصية الصينية. وتظهر نتائج استطلاعات جامعة هارفارد التي تستمر على مدى 13 عاماً أن مستوى رضى الشعب الصيني عن الحكومة الصينية يبلغ أكثر من 93%، وهي النسبة الأعلى في العالم، وهذا أصدق انعكاس واقعي لما تتحلى به الديمقراطية الصينية من حيوية قوية.

الديمقراطية هي قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، والديمقراطية تعني الرقي بإرادة غالبية الناس إلى مستوى إرادة الدولة، وجعل أكبر عدد من الناس يشارك في اتخاذ القرار والتسيير والرقابة. يمتد نهر التاريخ البشري وينهمر دون توقف، ويشهد العلم إبداعاً وينمو الاقتصاد، كما يتقدم العصر ويصحو بشكل مستمر وعي الناس بالديمقراطية، ولا يمكن أن يكون النظام الديمقراطي وحوكمة الدولة في حالة من الجمود. تحتاج الديمقراطية إلى أن تتقدم مع العصر، فلا يمكن ونحن نعيش القرن الـ21 أن نبقى متمسكين بنظام سياسي متخلف، رافضين التخلي عنه، ناهيك عن أنه لا يمكن أن نوقظ الشعب فقط عند الاقتراع ونجعله يعود لنومه بعد انقضاء الاقتراع، ولا يمكن أن نسمع شعارات مزخرفة ومبهرجة خلال المنافسة الانتخابية ونفقد حق التعبير بعد انتهاء المنافسة الانتخابية، ولا يمكن أن تذهلنا المعاملة الحسنة خلال التنافس على الأصوات ويتم تجاهلنا بعد الاقتراع، إن ديمقراطية كهذه ليست ديمقراطية العصر، وليست هي الديمقراطية الحقيقية.

وأمام التحديات العالمية المتزايدة باتت القضايا الدولية بحاجة أكبر إلى وحدة المجتمع الدولي والتنسيق المشترك، كما أن دمقرطة العلاقات الدولية هي اتجاه عام لا يقاوم. فمن ناحية قرر التنوع الحضاري تنوع الممارسة الديمقراطية في مختلف الدول، فمختلف الدول يجب أن تتحلى باحترام متبادل لحقوق الدول الأخرى في اختيار نموذج النظام الذي يلائمها. ومن ناحية أخرى يجب أن تتخذ القضايا الدولية من ميثاق الأمم المتحدة أساساً لها، والتمسك بالاحترام المتبادل والتشاور على قدم المساواة والتعاون والفوز المشترك بين الدول باختلاف أحجامها، فلا يمكن أن تكون دولة عاجزة عن أن تواكب العصر من حيث الحوكمة، ويكون نظامها غارقاً في وحل المشاكل التي لا يستطيع التخلص منها، ثم تعمد بغرور إلى إرغام دول أخرى على «الديمقراطية»، فهذا الأمر في حد ذاته منافٍ للديمقراطية، ولا يمكن أن ينجر عنه سوى التشقق والكوارث.

تتوقف جودة وسوء نظام دولة ما على ما إذا كان شعبها يتحلى بشعور الكسب وشعور الأمان والشعور بالسعادة أم لا، والديمقراطية هي تلك التي يكون الشعب فيها صاحب القرار. ولم تخيب الصين والإمارات تطلعات شعبيهما، فهما على رأس القائمة من حيث دعم الشعبين ورضاهما عن حكومتيهما، حيث يتعلق الأمر بحكومتين تتمتعان بأكبر قدر من الترحيب في العالم. ولم تتوقف خطوات الحكومتين في البحث عن سعادة ورفاه الشعبين. وفي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني والذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة أطلقت الصين رحلة جديدة للبناء الشامل لدولة اشتراكية عصرية، وأطلقت الإمارات استراتيجية التنمية الوطنية في الـ 50 عاماً المقبلة، ومن الحتمي أن طريقي التنمية اللذين تأخذ الدولتان فيهما زمام المبادرة سيتألقان بالإنجازات التنموية الجديدة.

 

* القنصل العام الصيني بدبي

Email