«الإخوان».. الأصل الفاشي وخطاب الاستجداء الماكر

ت + ت - الحجم الطبيعي

استنجد رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، فجر أمس، مرة أخرى، بكلمات من النشيد الوطني التونسي، كان خطّها شاعر تونس خالد الذكر، أبو القاسم الشابي، وقد نشر الغنوشي في تدوينة على تويتر ما يلي: «... ولا بد للقيد أن ينكسر»، مستبطناً بذاك باقي المفردات والمعاني التي تضمّنها قصيد «إرادة الحياة»

 

«إذا الشعب يوماً أراد الحياة

                     فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي،

                    ولا بد للقيد أن ينكسر».

وبالطبع، فإن استحضار رئيس حركة «النهضة الإخوانية»، جزءًا من كلام الشابي، هو في لُبّ السلوك الإخواني، الذي يلجأ دوماً إلى استعمال خطاب الضحيّة والاستعطاف، ثمّ التهديد، إذا اقتضى الأمر ذلك.

وقد لا نكون في حاجة إلى التدليل على أن خطاب النهضة الإخوانية هذه الأيام، يستهدف فقط المحافظة، ما أمكن، على تماسك حزامها الداخلي الضيّق، والذي ما انفكّ يتآكل.

وثانياً، هي رسائل موجّهة إلى الغرب، لإيهامه بأنّها تناضل من أجل الحرّيات، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك في محاولة لإحياء دعم أجنبي تداعى هو الآخر، بعدما تبيّن زيف إيمان قوى «الإخوان» الظلامية بهذه المبادئ العليا، التي تمثّل القاسم المشترك بين الإنسانية. وإنّ في المواقف الأخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وعن الاتحاد الأوروبي، وعن عدد من الدول الغربية الأخرى الوازنة، ما يؤكّد هذا المنحى الجديد في المواقف الدولية، ممّا يحدث في تونس، حيث ساندت هذه الدول خارطة الطريق المعلنة من طرف رئيس الدولة قيس سعيّد، في الثالث عشر من هذا الشهر، بما يعني أنّ هذه الأطراف، أصبحت تعتبر حُكْمَ «الإخوان» والبرلمان - الذي حوّلته «النهضة» الإخوانية إلى مؤسّسة لخدمة أجندتها المحليّة والإقليمية - من الماضي.

وبالرّجوع إلى سياسات وخطابات جماعات «الإسلام السياسي»، في مختلف الأمصار، يتبيّن بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ هذا الخطاب الانتهازي المخاتل والموجّه إلى الخارج، هو سلوك متأصّل لديها، لأنها لا تستند ولا تستطيع أن تستند إلى حواضن شعبية داخلية ووطنية، بحُكْمِ أنّ مجمل تجاربها مع هذه المجتمعات، كشفت كذب ادّعاءاتها بخصوص مواقفها وسياساتها «الوطنية»، حيث أضحى الجميع على وعي وعِلم، بأنّ أساس التزاماتها، هو الأجندة الأممية للإخوان، والتي لا تعير أيّ اهتمام للأوطان ولحقوق المواطن، وإنّ أيّ خطاب تؤثّثه هذه الجماعات بمفردات حقوقية، هو في الحقيقة من باب المناورة، لغاية التمكّن من الحُكْمِ، أو هو خطاب الضحية، لتوسّل التعاطف والدعم الدولي، في حالات الضعف والهوان.

ونعتقد أنّ حركات «الإسلام السياسي»، والحركات الإخوانية تحديداً، لا تتوجّه مطلقاً للشعوب والمجتمعات - التي تدخلها بمنطق «الغزاة»- لأنها تعتبرها «ديار حرب»، انحرفت عن «الطريق السويّ»، وهي تعتمد خطاب الضحية، تتبنّى فيه على سبيل المناورة، قيم الحرّية والديمقراطية، لكسب تعاطف دول غربية خاضعة على الدوام لضغوطات اللوبيات الحقوقية، التي كثيراً ما تغلّب الجوانب الانتهازية على الأسس المبدئية، وثانياً ترتدي جماعات الشّؤم هذه عباءة الديمقراطية لمرّة واحدة، تلك التي توصلها إلى السلطة، ثمّ هي ترتدّ عن كلّ القيم المشتركة بين الإنسانية، لتمارس أبشع أشكال الاستبداد والتسلّط، باسم الدين، الذي هو براء منها.

ونجدّد التأكيد على أنّ ما تضمّنته كلمة الرئيس قيس سعيّد في الثالث عشر من الشهر الجاري، يعد إيجابياً، لجهة أنّه حدّد موعداً لانتخابات برلمانية جديدة، يوم 17 ديسمبر 2022، وكذلك موعد 25 يوليو 2022، تاريخاً للاستفتاء حول الإصلاحات الدستورية، ولكنّ انتظارات القوى الحزبية المدنية، ومنظمات المجتمع المدني التونسي، وأساساً الاتحاد العام التونسي للشغل، تذهب إلى أكثر من ذلك، وخصوصاً في علاقة بالتشاركية والتشاور في اتّخاذ القرارات الحاسمة والاستراتيجية المتعلّقة بطبيعة النظام السياسي.

وهي ذات الملاحظات والتحفظات التي عبّرت عنها بعض الدول الغربية، في مواقفها المساندة لنهج الرئيس قيس سعيّد، لكنّه من المهمّ التذكير بأنّ هذه الملاحظات والتحفّظات، تجد جذورها أوّلاً وقبل كلّ شيء، في مطلبية القوى المدنية والسياسية التونسية، وهو ما يستدعي من الرئيس قيس سعيّد، التفاعل معها إيجابياً، لسحب البساط من تحت أقدام حركة «النهضة» الإخوانية، التي تحاول خلق حالة التباس، تتمكّن بفضلها من الإيهام بأنّها جزء من النسيج المدني والسياسي التونسي، وتتبنّى، بالتالي، مطالبه في الديمقراطية والتشاركية، والحال أنّ الجميع وقف على حقيقة واحدة، وهي زيف وكذب هذا الخطاب الإخواني.

إنّ أوراق اللعبة السياسية، هي بين أيدي الرئيس قيس سعيّد، وإنّ أيّ خطوة يخطوها باتجاه قوى المجتمع المدني والسياسي التونسي، هي مرحلة إضافية لمزيد عزل قوى «الإخوان» الظلامية، وهي خطوة أخرى لكشف الطابع الوقتي والمزّيف لانخراط هذه الجماعات، في ما هو مشترك من قيم بين الإنسانية، لأنّ الأصل في الأشياء عندها، هو سلوكها الفاشي والاستبدادي المعادي للإنسانية والأوطان.

* كاتب تونسي

Email