الجولة الخليجية.. تاريخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلى تعبير سياسي لما يربط بين الدول هو: «علاقات استراتيجية». ومن بعدها يمكن إضافة أوصاف أخرى عليها مثل: علاقات تاريخية ممتدة وغيرها. وهي تعني أن مصير هذه الدول ومستقبلها مشترك وبالتالي عليها أن تعمل مع بعض وتنسق تحركاتها من أجل الحفاظ على استقرار مجتمعاتها وقصصها التنموية.

وتفترض العلاقة الاستراتيجية على أصحابها التزامات عديدة غالباً ما تدفع إلى التكامل في السياسات والإجراءات والمواقف بينها ويصل الأمر إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية والطاقات البشرية من أجل حماية مكتسباتها، وتزداد حالات التنسيق عندما تكون هناك تحولات كبرى على المستوى العالمي وتهديدات في الجوار الإقليمي وفي هذه الحالة تعطى أي تحركات دبلوماسية معنى ودلالة.

وكما هو دارج على أن الاستقرار والجوانب الأمنية التي تعتبر هي المحرك الأساسي والتقليدي في تعزيز العلاقات بين الدول المتجاورة، فإن تطور نظريات العلاقات الدولية يؤكد أن الروابط الاقتصادية والمصالح هي الأرضية الصلبة التي توثق تلك العلاقات حتى ولو بين الدول الشقيقة كما هو حال الدول الخليجية والعربية.

فكما يمكن حدوث تباينات في العلاقات السياسية بين الدول وهي تبحث عن مصالحها في عالم مليء بالتغيرات والتحديات، فإن الاقتصاد والعلاقات التجارية هي التي توازن ردة الفعل وبالتالي تفسح المجال للسياسيين والدبلوماسيين للجلوس مع بعض للحديث مرة ثانية.

ليس مجاملة لقادة مجلس التعاون الخليجي أو تحيزاً لهذه الدول، وإنما هو توضيح لمن يتابع مساراتها التاريخية منذ الثمانينات من القرن الماضي وهي تسجل بين فترة وأخرى توثيق أكبر وأعمق مما كان، وتنتقل من ملف إلى آخر للتأكيد بأن مصير هذه الدول واحد وأن أمنها الشامل (والمستهدف أصلاً) هي مسؤولية أبنائه.

ومع أن هذا الكلام ليس جديداً في طرحه السياسي ولكن هو تأكيد للبعض ممن يحاولون «الصيد في الماء العكر» ويتعمدون في خلط الكثير من الأفكار المشوشة وتفسير أي تحركات وفق منطقهم المغلوط.

القاعدة التنموية في العالم أن تنافس المجتمعات والدول عامل مهم في تقديم الأفضل للشعوب والإنسانية بشكل عام وهذا ما نعتقده في دولنا الخليجية.

إن الجولة الخليجية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والتي كانت محطتها الثانية دولة الإمارات بعد أن زار سلطنة عمان خطفت الأضواء الإعلامية بل إنها صرفت الأنظار عن ملفات أخرى في العالم لعدة أسباب من أبرزها، محاولة فهم الهدف من هذه الجولة الشاملة في هذا التوقيت مع أن القمة الخليجية عقدت يوم أمس، وكذلك محاولة قراءة الفكرة من توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الأشقاء وباعتبارها متغير جديد.

وإذا كان من الطبيعي أن نجد هذا الاهتمام كون الأمير ليس بشخصية سياسية عادية فهو صاحب رؤية تنموية تتعدى حدود المملكة وربما المنطقة الخليجية، وكذلك لمكانة السعودية في الاستراتيجية الإقليمية هذا من الناحية الاستراتيجية، فإن علينا من الناحية العقلانية كذلك، أن نؤكد أنها جولة لا تخلو من رسائل سياسية خليجية لما باتت تحتله هذه الدول من مكانة في الاستراتيجية العالمية خاصة إذا ما نسقت العمل بينها بشكل جيد.

من يلقى نظرة سريعة على المشهد الاستراتيجي العالمي، يمكنه ملاحظة أن هناك تحولات في طبيعة العلاقات الدولية فالولايات المتحدة تعيد ترتيب استراتيجيتها العالمية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور الهند خصم الصين. كما أن تركيا وإيران بدأتا تركزان على التنمية الداخلية أكثر من الملفات الخارجية وتهدئة مشاريعها، بمعنى آخر هناك شيء ما يحدث في العالم.

لكن يبقى الأكثر الأهمية من كل التفسيرات السابقة لاستفهامات المراقبين أن البديهي دائماً في العلاقات الخليجية-الخليجية والثابت هو: الارتقاء بها والبناء عليها وتجديد دماءها فالرابط ليس رسمي فقط وإنما هو شعب واحد. لذا فإن الجولة الخليجية للأمير محمد بن سلمان تركت أثراً جميلاً في نفوس أبناء الخليج.

* كاتب إماراتي

 

Email