بوادر مشجعة في جنوب آسيا بسبب أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت العلاقات الهندية الباكستانية في الأشهر الماضية توترات ومماحكات بسبب أفغانستان، لكن هناك اليوم تطورات إيجابية ومشجعة في المنطقة تعكسها جملة من المؤشرات التي توقف عندها الدبلوماسي الهندي السابق «إم. ك. بدراكومار» الذي لخصها في النقاط التالية:

أولاً: فضلت الهند أن تنقل مساعداتها الإنسانية لأفغانستان (نحو خمسين ألف طن متري من القمح) عبر باكستان، فوافقت الأخيرة على الطلب الهندي، وقبلت حكومة طالبان أن تستلمها متخلية عن مواقفها المتشددة من نيودلهي.

ثانياً: تخلت الهند لأول مرة عن عادتها في توجيه أصابع الاتهام إلى باكستان فيما يتعلق بهجوم على قواتها في كشمير وقع في أكتوبر الماضي، وأسفر عن مقتل تسعة من الجنود الهنود.

ثالثاً: قررت الهند إعادة فتح ممر «كارتاربور» الحدودي بين البلدين، والذي ظل مغلقاً طيلة السنتين الماضيتين بسبب جائحة كورونا، وسماح إسلام آباد بمرور نحو 3 آلاف من الحجاج السيخ إلى أراضيها من خلال المعبر.

رابعاً: لم تعثر باكستان حتى الآن على أي أدلة على اتهامات أطلقتها فور عودة حركة طالبان إلى السلطة في كابول من أن الهند ستدعم حركة مقاومة مناهضة لنظام طالبان، وفي الوقت نفسه توصلت الهند إلى شبه قناعة بأن طالبان تمثل نفسها وليست صدى للمؤسسة العسكرية الباكستانية.

بعبارة أوضح يبدو أن كلا البلدين أدركا أخيراً ضرورة تعاونهما في ما يخص أفغانستان، لأن العكس يعني انجراف الأخيرة نحو مزيد من الفوضى الذي سينعكس سلباً على أوضاعهما الداخلية. فمن جهة سيؤدي استمرار معاناة الأفغان الإنسانية والأمنية إلى موجة نزوح بشرية باتجاه دول الجوار، ما سيخلق عبئاً وصداعاً لكلا البلدين.

ولا سيما باكستان التي يرتبط سكانها بالأفغان بروابط عرقية وثقافية وقبلية، وتعاني مشكلات اقتصادية مزمنة. ومن جهة أخرى فإن ترك أفغانستان ضعيفة.

خصوصاً في ظل المقاطعة الدولية لنظامها الطالباني الجديد وتدهور أوضاعها الاقتصادية ونظامها المصرفي، سيقوي الجماعات الإرهابية الساعية للاستيلاء عليها مثل تنظيم خراسان الداعشي الذي لا يخفي مشاريعه الهدامة، بل الذي أعلن صراحة مسؤوليته عن معظم الهجمات الإرهابية التي استهدفت المنشآت المدنية والعسكرية منذ اليوم الأول لانسحاب القوات الأمريكية والغربية من أفغانستان.

ويمكن القول إن ما سبق هو أيضاً فحوى المقاربات الغربية حول الوضع الأفغاني. فالأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون، كما الهند وباكستان، باتوا مقتنعين أن تأزم الأوضاع الأمنية والمعيشية في أفغانستان أكثر فأكثر يعني تهديداً للأمن والاستقرار العالمي. يضاف إلى ذلك أن واشنطن قلقة من أن غيابها ولا اكتراثها بأفغانستان ــ إنْ طال ــ سيصب لا محالة في صالح الصين وروسيا وإيران.

خصوصاً وأن الدول الثلاث أبدت مرونة بخصوص موضوع شرعية النظام الطالباني، ما أتاح لها تطوير علاقاتها مع طالبان دون الاعتراف رسمياً بها. ولعل ما أثار الأمريكيين مؤخراً هو المعلومات التي تحدثت عن عزم عدد من الشركات الصينية على استغلال موارد أفغانستان من الليثيوم.

هذا ناهيك عن أن بكين تعمل حالياً بشتى الوسائل لدمج أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني والممر السريع الإيراني الصيني. من هنا لا تـُستبعد فرضية أن التقارب الهندي الباكستاني بخصوص أفغانستان ناجم عن ضغوط دبلوماسية مارستها واشنطن على الدولتين من أجل مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بعد خروجها من كابول.

وبكلام آخر، طرقت واشنطن باب باكستان طالبة تعاونها مع الهند للحيلولة دون حدوث السيناريوهات الأفغانية المزعجة للجميع. قد يتساءل القارئ عما يجعل باكستان وهي حليفة موثوقة للصين أن تتجاوب مع المطالب الأمريكية؟

صحيح أن إسلام آباد تتمتع بعلاقات وطيدة مع بكين على مختلف الصعد، لكنها تعلم أن حصولها على مساعدات من صندوق النقد الدولي لن يتحقق إلا من خلال التعاون مع واشنطن والاستجابة لبعض مطالبها، مثل لعب دور بناء ومعتدل في المأزق الأفغاني؛ لذا تنتهج حكومة عمران خان البرغماتية في تعاملها مع القطبين الصيني والأمريكي على أمل الاستفادة من كليهما، وهي تعلم جيداً أن واشنطن تستخدم معها سياسة العصا والجزرة التي سبق أن استخدمتها مع الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ولعل من دلائل هذه البرغماتية أن باكستان بدت مؤخراً غير مندفعة كالسابق في ما خص الممر الاقتصادي الصيني ــ الباكستاني، في الوقت الذي أرسلت فيه وفداً عسكرياً رفيع المستوى إلى مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل، حيث دارت محادثات تخللتها إشادة غربية بدور باكستان كحليف مهم للحلف. أما المكافأة الأمريكية فقد تمثلت في إدراج البيت الأبيض لباكستان في قائمة المدعوين إلى «قمة الديمقراطية».

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

 

Email