رحلة الإمارات من المحلية إلى العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال رحلتها من المحلية إلى العالمية ركزت دولة الإمارات على أربعة محاور رئيسة، كانت هي سر نجاحها والعمود الفقري، الذي قامت عليه التنمية المستدامة في دولة الإمارات، وهذه المحاور هي: بناء القدرات والكوادر المحلية المواطنة القادرة على مواصلة المسيرة، التركيز على الأمن بمختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والقومية، تنويع مصادر الدخل والتركيز على اقتصاد المستقبل، التخطيط الجيد للمستقبل وتهيئة الأرضية لكل الاحتمالات المتوقعة. هذه المحاور الأربعة، والتي كان ينظر لها البعض على أنها تحديات حقيقية أمام الاتحاد، كانت هي لب الاستراتيجية الوطنية، وهي خريطة الطريق، الذي سارت عليه الدولة حتى عبرت بسلام أعوامها الخمسين الأولى.

عند ولادتها كان أكبر تحد لها هو نقص الكوادر الوطنية المؤهلة، والتي يمكنها حمل شعلة الاتحاد ومواصلة المسيرة، ولذلك اعتمدت الإمارات عند ولادتها على الكوادر الخارجية سواء عربية أو أجنبية، ولكن الإمارات عملت جاهدة من خلال الاهتمام بالتعليم والتدريب والتأهيل من خلق كادر وطني مهيأ لحمل شعلة الاتحاد، والعبور بها إلى النصف الثاني من مئوية الدولة. ليس هذا فحسب، بل أصبحت الكوادر الإماراتية المواطنة رصيداً بشرياً مهماً، وتمتلك من الخبرة والتأهيل ما يذهل المراقبين. إن اهتمام الدولة بالتنمية البشرية يعد سبباً من أسباب نجاحها وسر تفوقها واستمراريتها.

ولا يخفى على أحد أن دولة الإمارات قد خلقت من كل تحد فرصة جديدة للعمل والاستمرارية والتألق، فقد كان أكبر تحد لها هو اعتمادها على مصدر وحيد للدخل ألا وهو النفط الذي عرض اقتصاد الدولة إلى الاهتزاز صعوداً وهبوطاً، ولكن ما إن عبرت الدولة عقدها الأول حتى كانت من أوائل دول المنطقة استعداداً للمستقبل بتنويع مصادر دخلها والابتعاد عن النفط، فقد هيأت السياحة دخلاً منتظماً للدولة، كما عملت على التعريف بالدولة ومقوماتها التراثية والثقافية. لقد أضفت السياحة على الدولة ألقاً جديداً وعرف العالم الإمارات بأنها تلك الدولة الحديثة التي تمتلك مقومات جذب سياحية رائعة، كما تمتلك تاريخاً عميقاً ومقومات استثمارية جذبت لها العالم، فقد هيأت الإمارات نفسها على أن تكون بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية، وهكذا تحولت إلى مركز مالي واقتصادي وتجاري مهم منفتح على العالم بجميع أطيافه.

التحدي الثالث وهو الأمن بجميع أبعاده، فقد ولدت الدولة في وسط إقليم مضطرب سياسياً ولم يعرف الاستقرار. كما أحاطت بالدولة قوى إقليمية قوية كان هدفها مد سيطرتها على مياه الخليج، لذا كان تحقيق الأمن القومي والحفاظ عليه هدفاً للدولة الوليدة. بالإضافة إلى الأمن الخارجي فقد كان الأمن الداخلي سواء الاقتصادي أو الاجتماعي من أهداف التنمية المستدامة، فلا يمكن تحقيق الرخاء والاستقرار دون أمن اقتصادي واجتماعي يصاحبه انفتاح على العالم وثقافاته. استطاعت الإمارات بسياساتها المدروسة وخططها الاستراتيجية من تحقيق مطلب الأمن، وقد حدث ذلك وفي زمن قياسي، وأصبحت الإمارات مضرب الأمثال في توافر الأمن بكل أبعاده.

التحدي الأخير أمام الدولة هو المستقبل بكل تجلياته وتوقعاته واحتمالاته، فقد صاحب ولادة الدولة الكثير من التوقعات المختلطة بعضها سلبي والآخر إيجابي. الكثير من المراقبين راهن على فشل المشروع الاتحادي كون المنطقة العربية لم تشهد من قبل مشروعاً وحدوياً ناجحاً. القليل من المراقبين فقط راهن على بقاء الاتحاد ونجاحه، وذلك اعتماداً على عزيمة القادة الأوائل ورغبتهم الصادقة في إنجاح الاتحاد. كان على رأس الاتحاد زايد وراشد، اللذين امتلكا عزيمة قوية ورغبة صادقة، وسعيا بجد وصدق لإنجاح تلك التجربة الوحدوية، وما إن عبر الاتحاد إلى بر الأمان حتى كان المستقبل إحدى الركائز الأساسية التي سعى قادة الاتحاد إلى تثبيتها، فبدون التخطيط الجيد للمستقبل وتهيئة الأرضية لكل الاحتمالات المتوقعة لن يستطيع ذلك الكيان الوليد الصمود والبقاء، وظل المستقبل والاستعداد له إحدى أهم الاستراتيجيات الوطنية للدولة.

لقد عبرت دولة الإمارات خلال الخمسين عاماً الماضية رحلة طويلة قادتها من المحلية للعالمية. واليوم تعد دولة الإمارات لاعباً رئيساً على المسرح الدولي وقامة اقتصادية كبيرة وبوابة رئيسة لكل العالم لكي يعبر من خلالها إلى المستقبل، ومركزاً للثقل المالي والتجاري ووجهة سياحية، يقصدها البشر من كل أنحاء العالم ودولة مستعدة للمستقبل بكل ما يحمله من احتمالات. إنها الإمارات التي حلم بها المؤسسون الأوائل، والتي انطلقت من القبيلة إلى الدولة العصرية الحديثة.

 

* جامعة الإمارات

Email