55 % اقتصاد غير رسمي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ذمة وعهدة الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري، فإن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر، قد يصل إلى 55 ٪.

هذه النسبة كبيرة جداً، ولكن كيف توصلت الحكومة إلى هذه النسبة، وما مدى دقتها؟

الوزارة أطلقت حملات ميدانية في السنوات الثلاث الماضية، من خلال مصلحة الضرائب، واكتشفت من خلال عينات عشوائية، أن نسبة 55 ٪ غير مسجلين ضريبياً.

معروف أن زيادة نسبة الاقتصاد غير الرسمي، أو الذي يطلق عليه «الاقتصاد الموازي»، يؤثر سلباً على العديد من المؤشرات الاقتصادية للبلاد، خصوصاً في ما يتعلق بتسديد الضرائب، وهى البند الأهم على الإطلاق للموازنة العامة للدولة، لأنه الممول الرئيس لها، خصوصاً أن بقية بنود التمويل قليلة، فقناة السويس، تقدم أقل من 6 مليارات دولار، وعائدات السياحة متذبذبة، ونستورد البترول، ونكتفي تقريباً من الغاز بعد شراء حصة الشريك الأجنبي، والصادرات أقل من الواردات كثيراً.

 وبالتالي، فعندما تزيد نسبة الاقتصاد غير الرسمي، فهي تؤثر كثيراً على الإيراد الرئيس للميزانية، خصوصاً في ما يتعلق بالضرائب.

وهناك فارق كبير ينبغي توضيحه، بين القطاع غير الرسمي الشرعي، والقطاع غير الرسمي غير الشرعي، أو الأسود. فالأول هو النشاط الاقتصادي لمحل بقالة أو ورشة حرفية، أو حتى عيادة دكتور كبير، تعمل في إطار القانون، لكنها غير مندمجة في الاقتصاد الرسمي.

أما الاقتصاد الأسود، فهو الأسوأ والأخطر، ويضم كل أنواع النشاط المجرّم قانوناً، خصوصاً تجارة المخدرات والأسلحة والأدوية المهربة. ويحسب للحكومة الحالية، أنها بذلت جهوداً كبيرة في بدء عملية دمج الاقتصاد غير الرسمي في الإطار الرسمي.

العامل الحاسم في عملية الدمج، هو الأنظمة الإلكترونية التي تم استحداثها في الفترة الماضية، سواء في إدارة المالية العامة للدولة، أو في منظومتي الضرائب والجمارك، ما أدى إلى تعزيز الحوكمة المالية للدولة، بما يساعد في تحقيق المستهدفات الاقتصادية، وتلبية احتياجات المواطنين في مجال التنمية.

الدكتور معيط قال قبل أيضاً، إنه بسبب ميكنة الموازنة العامة للدولة، إعداداً وتنفيذاً ورقابة، وبتطبيق نظام إدارة شبكة المعلومات المالية للحكومة، فقد صارت أكثر قدرة على رفع كفاءة الإنفاق العام، والتعامل المرن والجيد مع سائر التحديات، خصوصاً أزمة تداعيات فيروس «كورونا».

الرقمنة أدت إلى قدرة الحكومة على إخضاع جزء من الاقتصاد غير الرسمي لسداد الضرائب، والنتيجة أن الإيرادات الضريبية زادت بنسبة 15 ٪ في العام المالي الماضي، رغم عدم فرض أعباء جديدة على المواطنين، ورغم تحديات «كورونا»، طبقاً لما قاله وزير المالية المصري، خلال لقاء مؤخراً مع رجال الأعمال وشركاء التنمية.

الحكومة تحاول منذ سنوات، إقناع أصحاب الاقتصاد غير الرسمي، بالاندماج في الاقتصاد الرسمي، لكنها لم تنجح بصورة كاملة، حتى جاءت عملية الرقمنة، ولعبت دوراً مهماً في هذا الأمر.

على سبيل المثال، فإن الفاتورة الإلكترونية صارت تلعب دوراً مهماً، وكذلك عملية الشمول المالي، خصوصاً في المعاملات البنكية، والتخلص تدريجياً من التعامل النقدي المباشر، واستبداله بالمعاملات البنكية في معظم عمليات التعامل المالي، خصوصاً في الجهات الحكومية.

الميكنة أخرجت كثيراً من أرباب الاقتصاد الرسمي من كهوفهم، التي لم يكن يراها أحد من أجهزة الدولة.

وحينما تنجح الحكومة في إلزام كل أصحاب الاقتصاد غير الرسمي، في إصدار فواتير حقيقية، فإن ذلك سوف يكون خطوة ثورية في عملية الدمج، والأهم في تسديد حقوق الدولة من الضرائب. وهناك سراديب كثيرة تضيع فيها حقوق الدولة، ومنها مثلاً عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والمهندسين، وغالبية الأنشطة المهنية الحرة، وحينما تنجح الدولة في إخضاعهم للميكنة، فإنها ستضمن دخول جزء كبير من نشاطهم في الاقتصاد الرسمي، وبالتالي، زيادة حصيلة الضرائب.

أتصور أن الحكومة مطالبة بمزيد من الإغراءات للقطاع غير الرسمي، حتى يندمج. هي قدمت بالفعل في الشهور الماضية، بعضاً من هذه الإغراءات والإعفاءات، والمطلوب منها أن تستمر في هذا الاتجاه، حتى تتمكن من إكمال عملية الدمج، بما يعزز من إيرادات الميزانية، والأهم أن ترى كامل عمليات التعامل المالي غير الرسمي، الذي يمكن أن يكون ستاراً لعمليات عنف وإرهاب، وتجارات كثيرة محرمة.

 

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email