عند مفترق طريقين

ت + ت - الحجم الطبيعي

عند مفترق طريقين يلوحان في مطلع عام جديد، تقف منطقتنا حائرة.

ينتابها في حين، تردد لارى كاريل بطل رواية «حد الموسى» للأديب البريطاني سومرست موم، وهو يبحث عن الحكمة في عالم يستبد به القتل والتدمير، ويهدر عمره في إحجام لا يحسم خياراً، وفي مواقف تفتقر إلى الحكمة..!

ويستبد بها في حين آخر، جموح جعفر الراوي بطل رواية «قلب الليل» للأديب المصري نجيب محفوظ، وهو يندفع في درب «الجنون المقدس»، متمرداً على قيود العقل، ساعياً إلى حرية لن يجدها أبداً..!

في الموروث المصري ثلاثة طرق، يختار بينها من يذهب إلى حال سبيله، في مشوار مصيري: «سكة السلامة، وسكة الندامة، وسكة اللي يروح ميرجعش»..!

وما ينطبق على الفرد، يسري على الجماعات والأمم..!

في حالنا التي نعيشها في هذه المنطقة، لا يوجد - لحسن الحظ - طريق ثالث لا يرجع من يسلكه.

فلقد تعلمنا من دروس التاريخ، أن ثمة دائرة تدور، تعيدك حتماً إلى نقطة انطلقت منها، وإن طال الزمن..!

ثمة طريق يبدو في نهايته آفاق مبشرة، لو صدقت نوايا المرتحلين، تبلغ فيه ليبيا مرفأ الاختيار الديمقراطي لأول مرة في تاريخها، وتتحقق إرادة الشعب الليبي بانتخاب رئيس الجمهورية في عملية نزيهة وشفافة، وتأخذ مكونات الدولة المتشظية طريقها إلى الالتئام، وتتجه الدولة نحو استقرار غائب وتنمية مفقودة، ويواصل السودان مسيرته في توافق بين المكونين المدني والعسكري لسلطة الحكم، تجاه إنهاء المرحلة الانتقالية دون عثرات من خلافات تعيد الأوضاع إلى المربع الأول، ومن إخفاق في تنفيذ النقاط الرئيسية باتفاق جوبا للسلام الشامل.

آفاق مبشرة لهذا الطريق، باستقرار سلطة الحكم في تونس، وإجراء انتخابات نيابية تنهي وجود حزب «النهضة الإخواني» في الحياة السياسية، مثلما أعلنت الانتخابات المغربية عن وفاة الإخوان إكلينيكياً.

في الجوار العربي المباشر، تنبض آمال بأن ينتهي الصراع في إثيوبيا باتفاق سلام، ويسود العقل في سلطة الحكم فتجنح إلى توقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة مع مصر والسودان، يوارى بديلاً لا يريده البلدان إلا مرغمين..!

وعلى هذا الطريق، شعاع من تمنيات، بأن تنتهى الأزمة النووية الإيرانية، إلى توافق بين الغرب وطهران، ينزع فتيل حرب تدق طبولها بعنف بين إسرائيل وإيران، ويهدد كيرها المنطقة الممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن بحر العرب إلى شرق المتوسط.

الطريق الآخر محفوف بتهديدات، ويفضى إلى مخاطر لا قِبلَ للمنطقة بتحمل تبعاتها وآثارها.

المخاوف ماثلة على هذا الطريق من انحراف الانتخابات الليبية عن مسار إجرائها المأمول، أو انتهائها بنتيجة تكرس الانقسام وتفجر الحرب الأهلية مجدداً، ومن تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السودان، وابتعاد البلاد عن مسارها الديمقراطي المنشود، ومن اندلاع حرب جديدة مسرحها لن يقتصر على قطاع غزة، إذا تداعت الهدنة الهشة، في ظل دخول القضية الفلسطينية إلى نفق لا يلوح في نهايته بصيص أمل في استئناف مفاوضات السلام.

المخاوف حاضرة من استمرار أزمة سد النهضة، واللجوء إلى «الخيار صفر»، ومن فشل مفاوضات «جنيف» في التوصل إلى اتفاق نووي، وانفجار حرب جو/ صاروخية بين إيران وإسرائيل، يصعب معرفة مداها.

 
أمام الطريقين، تقف منطقتنا، كأنها الشاعر الأمريكي روبرت فروست في حيرته بين طريقي الغابة الصفراء.

بعضها يمزق بعضها، هناك طريق تريده، وهناك طريق يراد لها أن تسلكه مرغمة.

ليست هي مخيرة تماماً، وليست مسيرة على الدوام.

هي تقف على «حد الموسى» في «قلب الليل»، بين حكمة منشودة، وجنون غير مقدس.

وفي هذه المنطقة المنكوبة بنفسها وبجوارها وبغيرهما، قلما تتغلب الحكمة على الجنون..!

 

* كاتب صحافي

Email