القمة الهندية ــ الروسية.. صوت العقل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتظر العالم مقاربة جديدة تقود إلى تبريد الصراعات، وتهدئة التوترات في الساحة العالمية، عندما يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند في السادس من الشهر المقبل للقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، واللذان تربطهما علاقة وصداقة قوية يمكن أن تشكل «الجسر»، الذي يقرب المواقف الصينية- الروسية من جانب والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جانب آخر.

فالهند هي الدولة الكبرى الوحيدة في العالم، التي تشترك في تجمعات سياسية واقتصادية، تشترك فيها الولايات المتحدة وأيضاً الصين وروسيا، فرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي شارك مؤخراً في قمم «تحالف كواد»، الذي يضم مع الهند كلاً من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، وتنظر إليه روسيا والصين باعتباره تحالفاً عسكرياً وخطراً داهماً على نفوذهما في المحيطين الهندي والهادئ.

وفي ذات الوقت الهند هي عضو فاعل في «تجمع البريكس» التي تضم الصين وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، كما أن نيودلهي عضو قديم في «تجمع شنغهاي»، الذي يمثل ذروة التعاون الروسي- الصيني في آسيا ضد الولايات المتحدة.

فإلى أي مدى يمكن أن تكون القمة الهندية- الروسية «منصة» لإطلاق حلول سياسية للازمات الدولية؟ وكيف للهند أن تكون «صوت الحكمة والعقل» في ظل سباق تسلح محموم «وتسارع غير مسبوق لتشكيل تحالفات تحت عنوان «من ليس معنا فهو علينا»؟

صداقة متجدّدة

المعروف أن للهند علاقة قوية مع روسيا والاتحاد السوفييتي منذ أيام الحرب الباردة، ودائماً ما تعتمد الهند في تسليحها على روسيا، وحتى مع التوسّع الهندي الحديث في تنويع مصادر السلاح من فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة تظل الأسلحة الروسية في المرتبة الأولى لدى أفرع كثيرة في الجيش الهندي، وتتمسك الهند بصفقة المنظومة الدفاعية الروسية «أس 400» رغم تحذيرات واشنطن بل والتهديد، وذهبت الهند بعيداً في هذه الصفقة .

حيث نشرت بعض وسائل الإعلام الروسية أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ناقش إمكانية شراء الهند المزيد من تلك المنظومات خلال زيارته للهند هذا العام، وتعمل الهند وروسيا على هدف مشترك وهو الوصول بالتجارة البينية إلى 30 مليار دولار عام 2025، وهي محاولة روسية لدعم علاقاتها الاقتصادية مع الهند على غرار علاقاتها مع الصين التي تهدف للوصول بالتجارة مع الصين إلى 200 مليار دولار عام 2025 أيضاً.

ويزيد الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان من «مساحات التقارب» بين روسيا والهند، فكلاهما يخشى تنامي الجماعات المتطرفة في أفغانستان، كما أن تلك الجماعات والتنظيمات أمثال القاعدة وخرسان تعتبر روسيا والهند أعداء لهم، ولهذا تنسق روسيا مع الهند حول أفضل السبل لجعل مشاكل أفغانستان داخل أفغانستان دون تصديرها لروسيا والهند، لكن في نفس الوقت يشكل التقارب الروسي مع باكستان وبيع السلاح الروسي لإسلام آباد.

والتنامي الهائل للتنسيق العسكري بين روسيا والصين مصادر قلق للهند، ويمثل التعاون الثلاثي الروسي- الصيني- الباكستاني أقوى دافع للهند للانضمام بقوة إلى تحالف «كواد» والمشاركة في المناورات الأخيرة بعد أن كانت الهند مترددة وغير متحمسة للتحالف منذ تأسيسه في عام 2007.

الاتفاق والاختلاف

العلاقة والدفء في العلاقات الروسية الهندية دليل واضح على قدرة البلدين في «ضبط مساحات الاختلاف والاتفاق» فرغم انتماء البلدين لتحالفات متناقضة ومتصارعة إلا أنهما قادران على الحفاظ على مصالح مشتركة ومتنوعة، وهو ما يجعل العلاقة الروسية- الهندية مرشحة لتكون «نموذجاً عالمياً» يحافظ على الاستقرار والسلام، فروسيا تتوسط لتخفيف التوتر بين الهند وباكستان.

كما طرحت روسيا التدخل لتهدئة الصراع الهندي- الصيني والاشتباكات العسكرية المتقطعة في جبال الهيمالايا، وبالمقابل يمكن للهند أن تلعب دوراً كبيراً في تبريد الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في تحالفي «كواد» و«أوكوس» من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر.

Email