المُعلّم الكبير

ت + ت - الحجم الطبيعي
في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر من العام الجاري وحين أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن تعيين سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، وزيرًا للمالية، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تغريدة هي كالبشارة على حسابه في «تويتر» قال فيها:
 
«نعلن التشكيل الوزاري الجديد لحكومة دولة الإمارات، حيث تم تعيين الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للمالية، مكتوم سندٌ وعضدٌ وفخر، وسيضيف لحكومة الاتحاد الكثير، وسيطور آليات العمل لتواكب طموحاتنا الجديدة».
 
وتأكيداً على المكانة الكبيرة لسمو الشيخ مكتوم في بناء الدولة في انطلاقتها نحو الخمسين الثانية من عمرها المجيد، كتب سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، كلمة رصينة على حسابه في «تويتر» نوه فيها بالقدرات المتميزة لسمو الشيخ مكتوم وأنه سيكون أحد رجال المرحلة القادمة في بناء الدولة، وقال سموه على حسابه:
 
«نبارك لأخي الشيخ مكتوم تعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للمالية. بدعم قيادتنا الرشيدة تواصل دولتنا العزيزة مسيرة تمكين الشباب، وكلنا ثقة بأن مكتوم بن محمد بما يملكه من خبرات قيادية وإنجازات كبيرة واسعة سيلعب دورًا محوريًا في مسيرة الخمسين الجديدة، ونسأل الله له التوفيق».
 
بهذه الحفاوة الصادقة تم استقبال تعيين سمو الشيخ مكتوم في مناصبه الجديدة تعبيرًا عن عمق الثقة بقدراته القيادية التي نهلها من مدرسة شيخه ومعلمه ومُلهمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ذلكم المعلم الكبير الذي يختزن في عقله وقلبه من التجارب والخبرات ما يجعل منه معلمًا كبيرًا للأجيال في جميع مستوياتها، والذي يسكن في وجداننا كمنارة يهتدي بنورها السائرون في طريق محبة الوطن وبناء مجده، وها هو سمو الشيخ مكتوم يقص علينا اليوم طرفًا رائعًا من معالم هذه المدرسة التي شيدها هذا المعلم الكبير بصبر عجيب، ونظر نافذ وخبرات مدهشة وتصميم لا يعرف المستحيل، فنشر على حسابه في «تويتر» مقطعًا رائعًا بعنوان (علمني والدي)، توقف فيه عند الجوهر العميق لتفكير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي سكب أسرار قلبه وعقله في قلوب أبنائه الذين أعدهم لحمل المسؤوليات الجِسام، فجاءت هذه التدوينة كحزمة النور التي تضيء مقطعًا بديعًا من تفكير سموه مَرْويًا بلسان واحد من أنجاله الكرام الذين نهلوا من خبراته، وتدربوا على يديه وتمرسوا بفنون الحياة، وشاركوا والدهم الجليل مسيرة بناء الدولة، وتقديم ما تعلموه في مدرسة هذا الشيخ الكبير.
 
«تعلمت من مدرسة محمد بن راشد بأن العمل هو أساس الإنجاز»، بهذه العبارة الناطقة بكل مشاعر الامتنان افتتح سمو الشيخ مكتوم حديثه عن مدرسة والده في الحكم والإدارة، فكان الدرس الأول الذي تعلمه بالنظر والتطبيق أن الإنجازات الكبرى لا تتحقق بالأحلام، وأن السبيل الأوحد لتحقيقها هو العمل الذي تم التخطيط له بكل ذكاء واحتياط، وتم تنفيذه بكل عزيمة وإخلاص، وتمت متابعته بكل مسؤولية وحزم.
 
فعلى هذه المعايير يستحق العمل اسم العمل، فهو يعني ما يقول، وأن المراد بالعمل هو ذلك الجهد الذي تجاوز كل عقبات الفشل ولم يكن ارتجاليًا قط، فالارتجال سلوك لا وجود له في قاموس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وجميع فرق العمل التي تتشرف بالعمل معه، ليكون التخطيط المدروس والتنفيذ المنهجي والمتابعة الذكية هي ضوابط العمل الناجح في معايير المدرسة التي تم تأسيسها في بدايات نشأة دبي على يد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والتي واصل البناء عليها ورفدها بكل جديد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حتى غدت مدرسة متميزة في عالم التميز والإبداع.
 
«وأن الرؤى والاستراتيجيات ستبقى أحلامًا إن لم تقترن بعمل دؤوب يحولها إلى واقع، يغير الحاضر، ويؤسس للمستقبل، ويصنع الفارق في حياة الناس»، وتأكيدًا على القيمة الفريدة للعمل يؤكد سمو الشيخ مكتوم على عمق التلاحم بين الحلم والواقع، وأن الرؤى الكبيرة والاستراتيجيات المتميزة لا يمكن لها أن تتحقق إلا بالعمل الدؤوب والمتابعة الحثيثة، والسهر المضني الذي يضمن تنفيذ الرؤى على خير وجه، بحيث يكون واقعًا ملموسًا يتغير معه وجه الحياة، ويكون لبنة في البناء للمستقبل، وعلامة فارقة في حياة الناس الذين يرصدون ببصيرتهم مجرى التحولات.
 
ويشاهدون طبيعة الإيقاع الذي يحقق لهم من المكتسبات ما يدفعهم إلى مزيد من العمل والعطاء، وهو المنهج الذي رسخه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عبر مسيرته الطويلة في الحكم، فكم من الأحلام التي كانت تداعب مخيلته في عنفوان شبابه لم يزل يدأب في العمل لها حتى تحققت واقعًا يسحر الألباب ويشهد له بالعزيمة الصارمة التي لا تتوقف عند أي نوع من العقبات والتحديات.
 
«علمني والدي بأن الناجح لا يتوقف في سعيه أبدًا، يُفيق من نومه في كل يوم وهو على موعدٍ جديدٍ مع عملٍ جديد، وتحدٍ جديدٍ وإنجازٍ جديد»، هذه هي فلسفة النجاح في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أن تنجز وتبدع في الإنجاز بشرط أن لا تتوقف أبدًا، فهذا هو شرط النجاح وضمانته، فالوقوف مع الإنجاز يعني عدم التقدم نحو موقع جديد، وهذا يعني في جوهره نوعًا من التأخر، ففي كل صباح يصحو الناجح على موعد مع عمل جديد تتجدد به الحياة، ومع تحديات تطيب بها الحياة، فما قيمة الحياة الخالية من التحديات؟
 
وهل هي إلا الوجه الخادع للكسل والخواء والخمول والترهل؟ أما الرجال الأشداء والقادة الفرسان فهم مثل النسور الشامخة يعشقون التحديات ويحلقون عاليًا في وجه العواصف والرياح، فمعهم وبهم تعلو الأوطان وتكتب قصة خلودها في ضمير الزمن.
 
«أخبرني والدي بأن أهم ما يميزنا في دبي هو أننا مثابرون، أسس أجدادنا هذه المدينة في ظروف صعبة، وثابروا لبنائها وجعلها دبي التي نعيشها اليوم»، وهذا هو جوهر الفكر وسر التفوق: العمل الدؤوب المقرون بالمثابرة والتصميم، فالأحلام الكبيرة التي ستكون ثمرتها الإنجازات الكبيرة لا تقوم على الأكتاف الصغيرة والأوقات المستقطعة القصيرة، بل لا بد من الصبر والمثابرة ومواصلة العمل في جميع الظروف، فهذا هو سر الإنجاز الذي تفوقت به جميع الحضارات الكبرى على مر التاريخ.
 
وبخصوص مدينة دبي فهي ثمرة جهاد طويل وكفاح مستمر ذكر طرفًا منه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في سيرته الذاتية (قصتي: 50 قصة في خمسين عامًا) وكيف أن بناءها كان مجبولًا بعرق الجبين والجهد الشاق منذ الجد المؤسس، طيب الله ثراه، مروراً بالباني المؤسس الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، وصولاً إلى المشيد الأكبر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي جعل من دبي دانة للدنيا، ومدينة تغبطها كل العواصم والمدائن في كل البلاد.
 
«وصنعوا بجدهم واجتهادهم قصة تبدو كالمستحيل، تأسر العقل، وتدهش العيون، فتبدو لناظرها كالخيال»، فكان ثمرة ذلك الصبر الكبير والعمل الدؤوب والجد والاجتهاد هي هذه المدينة التي تخلب الألباب وتسحر العقول والتي تبدو كأفلام الخيال التي تقوم على تحقيق المستحيل، حيث يقف الإنسان مشدوهًا حين يطالع هذا الجمال الخلاب لدبي الفاتنة وهذا التقدم الحضاري الذي سبقت به كل المدن، وغدت بذلك واحدة من أرقى المدن العالمية بجميع المعايير والمستويات.
 
«كثيرةٌ هي مدارس الحياة، ولكنك تدرك الحياة عندما تتعلم من مدرسة محمد بن راشد»، ويا لروعة هذه الخاتمة النبيلة التي تحمل عبق البر والوفاء لهذا الوالد الجليل والمعلم الكبير، فكما كان بو راشد وفيًا لمدرسة والده الشيخ راشد الذي يعتبره معلمه الأول والأكبر، ها هو ولده سمو الشيخ مكتوم يعيد إليه ذلك الصدى البعيد ليظل الوفاء سُنة حميدة من أخلاق آل مكتوم الكرام الذين تزهو بهم البلاد، وتخضر من وابل فضلهم الروابي والوهاد.
 
Email