الحداثةُ في إكسبو بين الإنسان والتاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبقى «إكسبو 2020 دبي»، الحدث الأهم في الإمارات والمنطقة، فعلى مدى الأشهر المتبقية من عمر الحدث العالمي، سيظل الحديث حوله قائماً ومتداولاً، ما بقيت المتعة والإدهاش في كل زاوية ورواق في هذه المدينة المستقبلية، بأجنحتها الثقافية والعلمية، ومتاجرها المواكبة بمنتجاتها الحدث الأبرز في التاريخ المعاصر للعالم، وخصوصاً «فانتازيا» التي تتجلّى أول ما تتجلّى بقاعة الوصل، تلك التحفة الفنية التي استطاعت بأضوائها والأنشطة التي تقام فيها، جذب الرواد على أختلاف أعمارهم ومقولاتهم، إلى فضاءاتها، حيث بلاغة الإيحاءات الشائقة التي تصل إلى الجميع، وتقدح في أذهانهم تمثلات الممكن فيما بدا صعباً أو مستحيلاً.

ستبقى هذه المدينة بشكلها المستقبلي معنا، وسنبقى نحن معها لوقت طويل مفتوح على الزمن بما لا يعد من السنين، ستظل المدينة كمكان وذكرى لحدث، عصية على النسيان، رمزاً مفتوحاً على أكثر من قراءة، وعلى أكثر من معنى: ففيها الافتخار بالقدرة على الاستضافة والتنظيم والإنجاح، وتشكيل لمطلٍ عالٍ يرى الإنسان منه أحلاماً جديدة بحجم الرحلة التي قطعت، ويسبر منه مكامن جديدة للطموح، يليق بما اختزنته الذاكرة من منجزات، كانت يوماً تحديات، فغدت شواهد ساطعة في حاضر سرعان ما سيضاف إلى ماضٍ تليد.

ويسألني صديق، وفي سؤاله الحميم نصف الإجابة: كيف تنظر ثقافياً إلى مدينة «إكسبو 2020 دبي؟» وفهمت أنه يريد التأكد من صحة مرئياته على الجانب الثقافي لهذه التظاهرة العالمية من عدمه، بل دفعني سؤاله إلى إعادة تفحّص الجوانب الثقافية في معرض إكسبو القائم حالياً، عبر الذاكرة التي بدأت تتشكل بالزيارات المتعاقبة لهذه المدينة الآسرة، وقد أرتنا رؤيا العين ما سيكون عليه نمط حياتنا، ومستقبلنا في السنوات والعقود المقبلات؛ فإذا ما تجاوزنا في الحديث عن التقنية العالية في الأجنحة المتقدمة، والطاقة النظيفة التي تجري في عروق المدينة وشرايينها، والخطة الهندسية التي ضبطت مواقع الأجنحة والمتاجر والمطاعم، والمرافق العامة والشوارع ومسارات الراجلة، وعشرات المراقبين المؤهلين لضبط عملية الدخول والتجوال والخروج بسلاسة على مدار الساعة، وتقييمها والوقوف على نقاط التحسين فيها، وتطويرها على نحو يومي. لو تجاوزنا عن كل هذا، يبقى القول إن مدينة إكسبو 2020 دبي تضعك أمام تحديات جمّة، ولعل من أبرزها أن من يبتغي العيش في مدن مستقبلية غاية في الحداثة كهذه، في المستقبل القريب والبعيد، عليه أن يكون مثقفاً ومطلعاً، ويتوافر على قدر من المعرفة الضرورية واللازمة، كي يستطيع المضي قدماً في حياته بيسر وبساطة ومن دون عوائق أو عثرات، كما هو الحال في مدينة إكسبو دبي اليوم. 

إن الحداثة التي يجدها المرء ماثلة في هذه المدينة، ويكاد يلمسها في كل التفاتة لمس اليد، حداثةٌ وجهها إلى الإنسان، فيما ظهرها مستندٌ إلى التاريخ بكل تراكماته من تجارب وجهود بذلت على نحو فاق الوصف والتبيان. يحق اليوم للإنسان هنا، وأينما كان في الجغرافيا، أن يفخر بهذا المنجز الذي سيفضي إلى منجزات أكثر إدهاشاً في القريب، وأكبر قيمة مضافة إلى الحضارة البشرية.

Email